إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 16-08-2012, 05:33 AM   #1
رائد
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

معركة القادسية هي معركة وقعت في 13 شعبان 15هـ 635م

نعود بكم أيها الإخوة إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد من عهود ثالث أعظم رجالات التاريخ الإسلامي، بل التاريخ كله، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .

كان الصراع بين الدولة الإسلامية وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.

وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.

تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟

ولنعلم أيها الإخوة أنه لا يمكننا أن نصور هذه المعركة في ربع ساعة، ولكننا مجرد إشارات.

فلننتقل إلى الجبهة.

ههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟

إنهم المثل الأعلى في الجندية في كل مكان وزمان، كان الواحد منهم يقاتل وهو جائع، يقاتل وهو متعب، يقاتل وهو مثخن، يقاتل وهو مريض، قاتل في الصحاري المتوقدة في المناطق الحارة، قاتل على السفوح المغطاة بالثلوج في المناطق الباردة، قاتل في آسيا، في أوروبا، في أفريقيا، قاتل في البر، وقاتل في البحر، كان الشاب يقاتل، والشيخ يقاتل، بل والمرأة تقاتل.

مُني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات المسلمين، فعزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، واستخدم أعنف أنواع الأسلحة التي قدر عليها في وقته، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى خليفة المسلمين في المدينة عمر بن الخطاب ، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه.

واجتمع الناس بالمدينة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق، والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه، ثم أشاروا عليه بغير ذلك، فقال لهم: (إني كنت عزمت على المسير، حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، فأشيروا علي برجل).

فأخذ الناس يشيرون عليه، حتى قال له الصحابة: إليك الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، إنه الأسد عادياً.

فاستدعاه عمر ووصاه، وأوصى الجيش الذي معه، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف، وكان مع المثنى بن حارثة في العراق ثمانية آلاف، لكن المثنى مات قبل وصول سعد، وتتابعت الإمدادات إلى القادسية حتى صار مع سعد بن أبي وقاص ثلاثون ألفاً، منهم تسعة وتسعون صحابياً بدرياً.

كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً: (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم).

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه.

أرسل سعد وفداً إلى ملك الفرس يزدجرد فيهم: النعمان بن مقرن المزن، والمغيرة بن شعبة، قال لهم يزدجرد في كل غطرسة وكبر: "إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، ولا أسوء ذات بينكم، قد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم، ولا تغزوكم فارس، ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس، فإن كان الجهد دعاكم لقتالنا فرضنا لكم قوتاً، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم".

فقال له أحد أعضاء الوفد كلاماً طويلاً جاء فيه: (لقد أرسل إلينا الله رسولاً بالحق ويأمر بالعدل، وقال لنا: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك).


ونحن أناسٌ لا توسـط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبـر

تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر

فاستشاط ملك الفرس وهو ملك المشرق، ورئيس إحدى الدولتين العظميين، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم.

وسار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام )، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً.

سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل له سعد ربعي بن عامر فدار بينهما حوار مشهور، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد، فحاوره بما يشبه الحوار الأول، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له سعدٌ المغيرة بن شعبة فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.

فقالت السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة، فهابه رستم وبدأ بممازحته ليمحو ما صنع.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...


الخطبة الثانية


وبعد:

وفي اليوم الثاني، وهو أول أيام المعركة، عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.

ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).

وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

وفي أثناء المعركة برز أحد الفرس ونادى بالمبارزة، فوثب إليه الفارس المغوار عمرو بن معد يكرب، فبارزه، فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس وقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس، وبارز فارساً آخر فاعتنقه، وحمله حتى جاء به إلى المسلمين، كسر عنقه ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وقال: هكذا فافعلوا بهم.

أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَا

نعم هم كذلك الكفار على اختلاف أوصافهم، يرمون من بعيد، سواء كان من الطائرات، أو من دباباتهم المجنزرة، ولا يقدرون على النزال وجهاً لوجه.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وكر الفرس بسبعة عشر فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة، فارتفع عواؤها، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه، ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب، وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس، وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث، وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع بن عمرو التميمي، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجللين الأرض بصيحات التكبير.

وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم.

وعلى التو، وفور وصوله، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر: لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ففعلوا بهم هذا اليوم، وهو يوم أغواث، كما فعلت فارس في اليوم الأول يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لا ينام، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ثلاثون ألفاً.

وهناك في المدينة المنورة، حيث عمر بن الخطاب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول الفكر بأمر القادسية، فكان يخرج كل يوم متنسماً أخبار جيشه منذ الصباح إلى انتصاف النهار لعله يرى من يزف له البشرى بالنصر.

وفي اليوم الذي ورد فيه البشير لقيه عمر، وهو يسرع على ناقته، فسأله عمر: من أين؟ فأخبره أنه من قبل سعد بن أبي وقاص، آت من القادسية، فقال عمر: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو، كل هذا، والبشير مسرع على ناقته يريد أن ينقل الخبر إلى أمير المؤمنين، ولم يعرف أن الذي سأله هو أمير المؤمنين، وعمر يجري وراءه يستخبره الخبر، حتى دخل المدينة، فسلم الناس على عمر بأمير المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين، وعمر يقول: لا عليك، فنادى: الصلاة جامعة، وزف إلى المسلمين بشرى النصر، وقرئ كتاب الفتح، ومما جاء في الكتاب: (وأصيب سعد، وعبيد القارئ، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل، دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود).

عباد الله، ها هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين، ومعركة أخرى يا أبناء سعد، وخالد والقعقاع، إنها معركة تل أبيب، التي سيسطرها التاريخ، ويقرأ أولاد المسلمين في المدارس، قصة طرد اليهود من فلسطين، حيث لا تغيير في مناهج التعليم ولا طمس لانتصارات هذه الأمة.

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائقنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرة وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون.

أرى للفجر إرهاصــا قريباً بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويامجوسي ويلك من جموع تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا ولو سالت سيول من د مـــاء

أيها المسلمون، اختم هذه الخطبة بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصية اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن يعيش المسلمون مخدرون بأمجاد الماضي دون أن يصنعوا حاضرهم بدمائهم، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المزلق، إن العمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
رائد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #1  
قديم 16-08-2012 , 05:33 AM
رائد رائد غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

معركة القادسية هي معركة وقعت في 13 شعبان 15هـ 635م

نعود بكم أيها الإخوة إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد من عهود ثالث أعظم رجالات التاريخ الإسلامي، بل التاريخ كله، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .

كان الصراع بين الدولة الإسلامية وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.

وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.

تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟

ولنعلم أيها الإخوة أنه لا يمكننا أن نصور هذه المعركة في ربع ساعة، ولكننا مجرد إشارات.

فلننتقل إلى الجبهة.

ههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟

إنهم المثل الأعلى في الجندية في كل مكان وزمان، كان الواحد منهم يقاتل وهو جائع، يقاتل وهو متعب، يقاتل وهو مثخن، يقاتل وهو مريض، قاتل في الصحاري المتوقدة في المناطق الحارة، قاتل على السفوح المغطاة بالثلوج في المناطق الباردة، قاتل في آسيا، في أوروبا، في أفريقيا، قاتل في البر، وقاتل في البحر، كان الشاب يقاتل، والشيخ يقاتل، بل والمرأة تقاتل.

مُني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات المسلمين، فعزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، واستخدم أعنف أنواع الأسلحة التي قدر عليها في وقته، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى خليفة المسلمين في المدينة عمر بن الخطاب ، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه.

واجتمع الناس بالمدينة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق، والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه، ثم أشاروا عليه بغير ذلك، فقال لهم: (إني كنت عزمت على المسير، حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، فأشيروا علي برجل).

فأخذ الناس يشيرون عليه، حتى قال له الصحابة: إليك الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، إنه الأسد عادياً.

فاستدعاه عمر ووصاه، وأوصى الجيش الذي معه، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف، وكان مع المثنى بن حارثة في العراق ثمانية آلاف، لكن المثنى مات قبل وصول سعد، وتتابعت الإمدادات إلى القادسية حتى صار مع سعد بن أبي وقاص ثلاثون ألفاً، منهم تسعة وتسعون صحابياً بدرياً.

كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً: (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم).

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه.

أرسل سعد وفداً إلى ملك الفرس يزدجرد فيهم: النعمان بن مقرن المزن، والمغيرة بن شعبة، قال لهم يزدجرد في كل غطرسة وكبر: "إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، ولا أسوء ذات بينكم، قد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم، ولا تغزوكم فارس، ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس، فإن كان الجهد دعاكم لقتالنا فرضنا لكم قوتاً، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم".

فقال له أحد أعضاء الوفد كلاماً طويلاً جاء فيه: (لقد أرسل إلينا الله رسولاً بالحق ويأمر بالعدل، وقال لنا: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك).


ونحن أناسٌ لا توسـط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبـر

تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر

فاستشاط ملك الفرس وهو ملك المشرق، ورئيس إحدى الدولتين العظميين، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم.

وسار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام )، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً.

سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل له سعد ربعي بن عامر فدار بينهما حوار مشهور، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد، فحاوره بما يشبه الحوار الأول، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له سعدٌ المغيرة بن شعبة فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.

فقالت السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة، فهابه رستم وبدأ بممازحته ليمحو ما صنع.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...


الخطبة الثانية


وبعد:

وفي اليوم الثاني، وهو أول أيام المعركة، عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.

ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).

وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

وفي أثناء المعركة برز أحد الفرس ونادى بالمبارزة، فوثب إليه الفارس المغوار عمرو بن معد يكرب، فبارزه، فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس وقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس، وبارز فارساً آخر فاعتنقه، وحمله حتى جاء به إلى المسلمين، كسر عنقه ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وقال: هكذا فافعلوا بهم.

أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَا

نعم هم كذلك الكفار على اختلاف أوصافهم، يرمون من بعيد، سواء كان من الطائرات، أو من دباباتهم المجنزرة، ولا يقدرون على النزال وجهاً لوجه.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وكر الفرس بسبعة عشر فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة، فارتفع عواؤها، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه، ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب، وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس، وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث، وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع بن عمرو التميمي، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجللين الأرض بصيحات التكبير.

وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم.

وعلى التو، وفور وصوله، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر: لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ففعلوا بهم هذا اليوم، وهو يوم أغواث، كما فعلت فارس في اليوم الأول يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لا ينام، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ثلاثون ألفاً.

وهناك في المدينة المنورة، حيث عمر بن الخطاب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول الفكر بأمر القادسية، فكان يخرج كل يوم متنسماً أخبار جيشه منذ الصباح إلى انتصاف النهار لعله يرى من يزف له البشرى بالنصر.

وفي اليوم الذي ورد فيه البشير لقيه عمر، وهو يسرع على ناقته، فسأله عمر: من أين؟ فأخبره أنه من قبل سعد بن أبي وقاص، آت من القادسية، فقال عمر: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو، كل هذا، والبشير مسرع على ناقته يريد أن ينقل الخبر إلى أمير المؤمنين، ولم يعرف أن الذي سأله هو أمير المؤمنين، وعمر يجري وراءه يستخبره الخبر، حتى دخل المدينة، فسلم الناس على عمر بأمير المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين، وعمر يقول: لا عليك، فنادى: الصلاة جامعة، وزف إلى المسلمين بشرى النصر، وقرئ كتاب الفتح، ومما جاء في الكتاب: (وأصيب سعد، وعبيد القارئ، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل، دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود).

عباد الله، ها هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين، ومعركة أخرى يا أبناء سعد، وخالد والقعقاع، إنها معركة تل أبيب، التي سيسطرها التاريخ، ويقرأ أولاد المسلمين في المدارس، قصة طرد اليهود من فلسطين، حيث لا تغيير في مناهج التعليم ولا طمس لانتصارات هذه الأمة.

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائقنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرة وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون.

أرى للفجر إرهاصــا قريباً بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويامجوسي ويلك من جموع تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا ولو سالت سيول من د مـــاء

أيها المسلمون، اختم هذه الخطبة بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصية اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن يعيش المسلمون مخدرون بأمجاد الماضي دون أن يصنعوا حاضرهم بدمائهم، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المزلق، إن العمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 06:41 AM   #2
رائد
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

معركة القادسية

هي معركة وقعت في 13 شعبان 15 هـ / 16 - 19 نوفمبر 636م -

بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص و الفرس بقيادة رستم في القادسية انتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم.

أسباب المعركة

في عام 15 هـ جمع يزدجرد طاقاته ضد المسلمين، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى عمر بن الخطاب فأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق واجتمع الناس بالمدينة المنورة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق والناس لايدرون مايريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلاً من أصحاب الرسول ويقيم هو ولا يخرج واستشارهم في من يقود الجيش فأشير إليه بسعد بن أبي وقاص


المسير إلى القادسية



أستدعى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص وكان على صدقات هوازن فولاه الجيش وأمره بالسير ومعه أربعة آلاف ثم أمده بألفي يماني وألفي نجديّ وكان مع المثنى ثمانية آلاف ومات المثنى قبل وصول سعد وتتابعت الإمدادات حتى صار مع سعد سته وثلاثون ألفاً.

كان منهم تسعة وتسعون بدرياً وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كان له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة فنظم الجيش وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتم وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي وجعل خليفته إذا استشهد خالد بن عرفطة وجعل عاصم بن عمرو التميمي وسواد بن مالك على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمي وجعل داعيتهم سلمان الفارسي والكاتب زياد بن أبيه وعلى القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي.

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه وأرسل سعد وفداً إلى رستم فيهم: النعمان بن مقرن المزني وبسر بن أبي رهم والمغيرة بن شعبة والمغيرة بن زرارة.

وسار رستم وفي مقدمته (الجالينوس) وجعل في ميمنته (الهرمزان) وعلى الميسرة (مهران بن بهرام) ثم سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً.


القتال



وعبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه وحثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه فكان ينام على وجهه وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، وصلى المسلمون الظهر وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وركز الفرس ب (17) فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو التميمي ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة فارتفع عواؤها فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام فهبطت هممهم ونازل القعقاع (بهمن جاذويه) أول وصوله فقتله ولم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئاً يعجبهم فقد أكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث فجعلت خيل الفرس تفر منها وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة وليلة أغواث تدعى السواد.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان ومن جريح وميت من الفرس عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لاينام فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض وقال لحمال والربيل: اكفياني الفيل الأجرب، فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عينيه فنفض رأسه وطرح ساسته ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب فطعنه حمال في عينه فجلس ثم استوى وضربه الربيل فأبان مشفره فأفلت الأجرب جريحاً وولى وألقى نفسه في النهر واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا وسميت هذه الليلة ليلة الهرير، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم فلم ينم الناس تلك الليلة وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه الفيرزان والهرمزان فانفرج القلب وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم وعلاه الغبار ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقه حمله فضرب هلال بن علفة التيمي من بني الرباب الحمل الذي تحته رستم وهو لايعرف بوجوده فهرب رستم إلى النهر فرمى نفسه ورآه هلال فتبعه وارتمى عليه فأخرجه من النهر ثم قتله ثم صعد طرف السرير وقال: قتلت رستم ورب الكعبة إلي إلي.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا وعبروا النهر فتبعهم المسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ألوفا.

وقتل من المسلمين ليلة الهرير ويوم القادسية ألفان وخمسممائة، ومن الفرس في الليلة نفسها عشرة آلآف ولحق زهرة بن الحوية التميمي الجالينوس فقتله.




قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)

ولقد ابدع المتنبي في هذه الابيات

إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ == فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ ===وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا
فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى == وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

اين ابناء السنة فالسنة تقتل في العراق وفي سوريا وفي كل مكان اين نجد الاثنا عشر الف الذين يحملون هم الامه (قال تعالى: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً الأحزاب:23
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولة (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية) فهل نبقى كما قال الشاعر خندقي قبري وقبري خندقي ---وسلاحي صامت لم ينطق

.
رائد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-08-2012 , 06:41 AM
رائد رائد غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

معركة القادسية

هي معركة وقعت في 13 شعبان 15 هـ / 16 - 19 نوفمبر 636م -

بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص و الفرس بقيادة رستم في القادسية انتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم.

أسباب المعركة

في عام 15 هـ جمع يزدجرد طاقاته ضد المسلمين، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى عمر بن الخطاب فأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق واجتمع الناس بالمدينة المنورة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق والناس لايدرون مايريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلاً من أصحاب الرسول ويقيم هو ولا يخرج واستشارهم في من يقود الجيش فأشير إليه بسعد بن أبي وقاص


المسير إلى القادسية



أستدعى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص وكان على صدقات هوازن فولاه الجيش وأمره بالسير ومعه أربعة آلاف ثم أمده بألفي يماني وألفي نجديّ وكان مع المثنى ثمانية آلاف ومات المثنى قبل وصول سعد وتتابعت الإمدادات حتى صار مع سعد سته وثلاثون ألفاً.

كان منهم تسعة وتسعون بدرياً وثلاثمائة وبضعة عشر ممن كان له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلاثمائة ممن شهد الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة فنظم الجيش وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتم وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي وجعل خليفته إذا استشهد خالد بن عرفطة وجعل عاصم بن عمرو التميمي وسواد بن مالك على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمي وجعل داعيتهم سلمان الفارسي والكاتب زياد بن أبيه وعلى القضاء بينهم عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي.

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه وأرسل سعد وفداً إلى رستم فيهم: النعمان بن مقرن المزني وبسر بن أبي رهم والمغيرة بن شعبة والمغيرة بن زرارة.

وسار رستم وفي مقدمته (الجالينوس) وجعل في ميمنته (الهرمزان) وعلى الميسرة (مهران بن بهرام) ثم سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً.


القتال



وعبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه وحثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه فكان ينام على وجهه وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، وصلى المسلمون الظهر وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وركز الفرس ب (17) فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو التميمي ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة فارتفع عواؤها فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام فهبطت هممهم ونازل القعقاع (بهمن جاذويه) أول وصوله فقتله ولم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئاً يعجبهم فقد أكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة ففعلوا بهم هذا اليوم وهو يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث فجعلت خيل الفرس تفر منها وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل فكانت ليلة أرماث تدعى الهدأة وليلة أغواث تدعى السواد.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان ومن جريح وميت من الفرس عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لاينام فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض وقال لحمال والربيل: اكفياني الفيل الأجرب، فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عينيه فنفض رأسه وطرح ساسته ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب فطعنه حمال في عينه فجلس ثم استوى وضربه الربيل فأبان مشفره فأفلت الأجرب جريحاً وولى وألقى نفسه في النهر واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا وسميت هذه الليلة ليلة الهرير، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم فلم ينم الناس تلك الليلة وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه الفيرزان والهرمزان فانفرج القلب وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم وعلاه الغبار ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقه حمله فضرب هلال بن علفة التيمي من بني الرباب الحمل الذي تحته رستم وهو لايعرف بوجوده فهرب رستم إلى النهر فرمى نفسه ورآه هلال فتبعه وارتمى عليه فأخرجه من النهر ثم قتله ثم صعد طرف السرير وقال: قتلت رستم ورب الكعبة إلي إلي.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا وعبروا النهر فتبعهم المسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ألوفا.

وقتل من المسلمين ليلة الهرير ويوم القادسية ألفان وخمسممائة، ومن الفرس في الليلة نفسها عشرة آلآف ولحق زهرة بن الحوية التميمي الجالينوس فقتله.




قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)

ولقد ابدع المتنبي في هذه الابيات

إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ == فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ ===وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا
فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى == وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

اين ابناء السنة فالسنة تقتل في العراق وفي سوريا وفي كل مكان اين نجد الاثنا عشر الف الذين يحملون هم الامه (قال تعالى: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً الأحزاب:23
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولة (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية) فهل نبقى كما قال الشاعر خندقي قبري وقبري خندقي ---وسلاحي صامت لم ينطق

.
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 02:23 PM   #3
المفتي
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: حريملاء
المشاركات: 5,276
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

المعركه عقديه فاترك عنك التعصب فالاسلام جمع سلمان الفارسي بعمر العربي بصهيب الرومي ببلال الحبشي والا العرب قبل الاسلام متفرقون وسط حروب طاحنه من اجل لقمة العيش يعني حنشل على لهجة اهل نجد
المفتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-08-2012 , 02:23 PM
المفتي المفتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: حريملاء
المشاركات: 5,276
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

المعركه عقديه فاترك عنك التعصب فالاسلام جمع سلمان الفارسي بعمر العربي بصهيب الرومي ببلال الحبشي والا العرب قبل الاسلام متفرقون وسط حروب طاحنه من اجل لقمة العيش يعني حنشل على لهجة اهل نجد
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 03:13 PM   #4
أبو عبود
محلل فني
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 4,164
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك

مفاتيح فارس


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس, والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا, وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم فأبشروا بالنصر".



أطلقت هذه المعجزة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة من الهجرة, وتحققت في سنة ستة عشر للهجرة, أي بعد احدى عشر سنة من قولها عليه السلام, ولكن كيف حدثت المعجزة العظيمة وهي دخول جيش المسلمين عاصمة أكبر قوة في العالم وقتها مع الروم الذين هزموا في اليرموك بالشام, انها المدائن عاصمة كسرى ملك الفرس, وما كان أحد يظن أن يعبر المسلمون أنهارا لكي يفتحوا المدائن, ولكن عقيدة المسلمين كانت متأكدة من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان أمتي ظاهرة عليهم" وبشرهم بالنصر قائلا:" فأبشروا بالنصر".



وبدأت ارهاصات تحقيق هذه المعجزة بعد فتح سعد بن أبي وقاص بلدا يقال لها بهرسير بالقرب من بغداد, وبعد أن دخل سعد بن أبي وقاص بهرسير طلب السفن ليعبر بالناس الى المدائن, فلم يقدر على شيء, ووجدهم قد ضموا السفن, فأقام ببهرسير أياما, حتى جاءه رجال من كفار الفرس, فدلوه على مخاضة يعبر من خلالها النهر ولكنه أبى وتردد في ذلك.



ورأى سعد بن أبي وقاص رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها, فعبرت, فعزم على العبور لتأويل رؤياه, وجمع الناس وخطب فيهم فقال لهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ان عدوكم قد اعتصم منكم في البحر, فلا تخلصون اليه, وهم يصلون اليكم اذا شاؤوا, فيناوشونكم في سفنهم, وليس وراءكم شيء تخافون منه, وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنيتكم قبل أن تحصركم الدنيا, ألا اني قد عزمت على قطع وعبور هذا البحر اليهم.



فقالوا جميعا: نعبر معك فافعل ما شئت.



فدعا الناس للعبور ثم قال:



من يبدأ منكم ويحمي لنا الشاطئ لكي لا يمنعونا من العبور؟



فخف اليه وأسرع عاصم بن عمرو وهو بطل من أبطال المسلمين وجاء وراءه ستمائة رجل من أهل النجدات, فجعل عليهم عاصم أميرا, فسار بهم حتى وقف على شاطئ دجلة.



وعندئذ قال سعد: من يجيء معي لنمنع الشاطئ ونحميه من عدوكم ونحميكم حتى تعبروا؟



فخف اليه أسرع ستون بطلا, فتقدمهم سعد الى حافة النهر وهو يقول باسما لمن تردد حوله: أتخافون؟! ثم تلا قول الله عز وجل:{ وما كان لنفس أن تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا} آل عمران 145.



ثم رفع سعد بن أبي وقاص فرسه فاقتحم النهر, واقتحم اخوانه معه.



فلما رآهم الفرس وما صنعوا, جهزوا للخيل التي تقدمت خيلا مثلها, واقتحموا عليهم دجلة, ثم اقتربوا من عاصم بعدما اقترب من شاطئهم؛ فقال عاصم لأصحابه: الرماح الرماح! اشرعوها, واضربوهم من عيونهم, فطعن المسلمون الفرس في أعينهم, فمن لم يقتل منهم أصيب في عينيه, وتزلزلت بهم خيولهم, حتى فرّت عن الشاطئ. وصعد الستون على الشاطئ الآخر شاطئ الفرس وتلاحق خلفهم بقية الستمائة من كتيبة عاصم بن عمرو.



ولما رأى سعد بن أبي وقاص أن عاصما على الشاطئ قد حماها ومنع الناس من أذى الفرس أذن للناس في اقتحام النهر وقال: قولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه؛ حسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.



وتلاحق معظم الجند, وركبوا الموج, وقدهاج النهر وماج والناس يتحدثون وهم عائمون على الخيل لا يكترثون ولا يهتمون بشيء, كما يتحدثون ويتسامرون في مسيرهم على الأرض وكان سعد بن أبي وقاص وراءهم يسايره في الماء سلمان الفارسي, فعامت بهم الخيل, وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! والله لينصرن وليه, وليظهرن دينه, وليهزمن عدوه.



هذه الكلمات التي قالها الرسول في بشراه المعجزة بأنه أعطي مفاتيح فارس.



ومضى سعد يقول وهو في الماء: وليهزمن الله عدوه, ان لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.



فقال له سلمان الفارسي: ذللت لهم والله البحور كما ذلل لهم البر, أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوه أفواجا.



وملأ فرسان المسلمين نهر دجلة خيلا ورجالا حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد, ثم خرجوا من الماء, والخيل تنفض أعرافها صاهلة بالنصر, فلما رأى الفرس ذلك انطلقوا لا ينظرون خلفهم فرارا من المسلمين, وظل المسلمون يطاردونهم حتى وصلوا الى القصر الأبيض في المدائن, وهو قصر ملكهم, وقد وجدوا فيه قوما وجنودا قد تحصنوا يريدون القتال فعرض عليهم المسلمين ثلاثة حلول, يختارون منها أيها شاؤوا قالوا: وما هن؟ فقال لهم المسلمون:



1. الاسلام, فان أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا.

2. الجزية.

3. وان أبيتم فالحرب والقتال.



فقالوا لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة ولكن الوسطى وهي الجزية.



ودخل سعد بن أبي وقاص المدائن, عاصمة كسرى والفرس وآخر معاقلهم, وانتهى به الأمر الى ايوان كسرى ونظر سعد لضخامته وما فيه من فرش ومجوهرات, وأقبل ينظر في محتويات الأيوان والقصر وهو يقرأ قول الله تعالى:



{كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم* ونعمة كانوا فيها فاكهين* كذلك وأورثناها قوما آخرين} الدخان 25-28.



وصلى سعد في القصر صلاة الصبح ثماني ركعات, لم يفصل بينهن, واتخذ الايوان مسجدا وجعله مصلى للمسلمين, وكان فيه تماثيل من الجص, ولم يلقها المسلمون, وتركوها على حالها, وأتم الصلاة في المدائن, اذ نوى سعد الاقامة بها, وكانت أول جمعة له فيها في صفر سنة ست عشرة.



وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزته التي قال فيها:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح فارس والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا", وتحققت المعجزة.
أبو عبود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-08-2012 , 03:13 PM
أبو عبود أبو عبود غير متواجد حالياً
محلل فني
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 4,164
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك

مفاتيح فارس


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس, والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا, وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم فأبشروا بالنصر".



أطلقت هذه المعجزة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة من الهجرة, وتحققت في سنة ستة عشر للهجرة, أي بعد احدى عشر سنة من قولها عليه السلام, ولكن كيف حدثت المعجزة العظيمة وهي دخول جيش المسلمين عاصمة أكبر قوة في العالم وقتها مع الروم الذين هزموا في اليرموك بالشام, انها المدائن عاصمة كسرى ملك الفرس, وما كان أحد يظن أن يعبر المسلمون أنهارا لكي يفتحوا المدائن, ولكن عقيدة المسلمين كانت متأكدة من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ان أمتي ظاهرة عليهم" وبشرهم بالنصر قائلا:" فأبشروا بالنصر".



وبدأت ارهاصات تحقيق هذه المعجزة بعد فتح سعد بن أبي وقاص بلدا يقال لها بهرسير بالقرب من بغداد, وبعد أن دخل سعد بن أبي وقاص بهرسير طلب السفن ليعبر بالناس الى المدائن, فلم يقدر على شيء, ووجدهم قد ضموا السفن, فأقام ببهرسير أياما, حتى جاءه رجال من كفار الفرس, فدلوه على مخاضة يعبر من خلالها النهر ولكنه أبى وتردد في ذلك.



ورأى سعد بن أبي وقاص رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها, فعبرت, فعزم على العبور لتأويل رؤياه, وجمع الناس وخطب فيهم فقال لهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ان عدوكم قد اعتصم منكم في البحر, فلا تخلصون اليه, وهم يصلون اليكم اذا شاؤوا, فيناوشونكم في سفنهم, وليس وراءكم شيء تخافون منه, وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنيتكم قبل أن تحصركم الدنيا, ألا اني قد عزمت على قطع وعبور هذا البحر اليهم.



فقالوا جميعا: نعبر معك فافعل ما شئت.



فدعا الناس للعبور ثم قال:



من يبدأ منكم ويحمي لنا الشاطئ لكي لا يمنعونا من العبور؟



فخف اليه وأسرع عاصم بن عمرو وهو بطل من أبطال المسلمين وجاء وراءه ستمائة رجل من أهل النجدات, فجعل عليهم عاصم أميرا, فسار بهم حتى وقف على شاطئ دجلة.



وعندئذ قال سعد: من يجيء معي لنمنع الشاطئ ونحميه من عدوكم ونحميكم حتى تعبروا؟



فخف اليه أسرع ستون بطلا, فتقدمهم سعد الى حافة النهر وهو يقول باسما لمن تردد حوله: أتخافون؟! ثم تلا قول الله عز وجل:{ وما كان لنفس أن تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا} آل عمران 145.



ثم رفع سعد بن أبي وقاص فرسه فاقتحم النهر, واقتحم اخوانه معه.



فلما رآهم الفرس وما صنعوا, جهزوا للخيل التي تقدمت خيلا مثلها, واقتحموا عليهم دجلة, ثم اقتربوا من عاصم بعدما اقترب من شاطئهم؛ فقال عاصم لأصحابه: الرماح الرماح! اشرعوها, واضربوهم من عيونهم, فطعن المسلمون الفرس في أعينهم, فمن لم يقتل منهم أصيب في عينيه, وتزلزلت بهم خيولهم, حتى فرّت عن الشاطئ. وصعد الستون على الشاطئ الآخر شاطئ الفرس وتلاحق خلفهم بقية الستمائة من كتيبة عاصم بن عمرو.



ولما رأى سعد بن أبي وقاص أن عاصما على الشاطئ قد حماها ومنع الناس من أذى الفرس أذن للناس في اقتحام النهر وقال: قولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه؛ حسبنا الله ونعم الوكيل, ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.



وتلاحق معظم الجند, وركبوا الموج, وقدهاج النهر وماج والناس يتحدثون وهم عائمون على الخيل لا يكترثون ولا يهتمون بشيء, كما يتحدثون ويتسامرون في مسيرهم على الأرض وكان سعد بن أبي وقاص وراءهم يسايره في الماء سلمان الفارسي, فعامت بهم الخيل, وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! والله لينصرن وليه, وليظهرن دينه, وليهزمن عدوه.



هذه الكلمات التي قالها الرسول في بشراه المعجزة بأنه أعطي مفاتيح فارس.



ومضى سعد يقول وهو في الماء: وليهزمن الله عدوه, ان لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.



فقال له سلمان الفارسي: ذللت لهم والله البحور كما ذلل لهم البر, أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوه أفواجا.



وملأ فرسان المسلمين نهر دجلة خيلا ورجالا حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد, ثم خرجوا من الماء, والخيل تنفض أعرافها صاهلة بالنصر, فلما رأى الفرس ذلك انطلقوا لا ينظرون خلفهم فرارا من المسلمين, وظل المسلمون يطاردونهم حتى وصلوا الى القصر الأبيض في المدائن, وهو قصر ملكهم, وقد وجدوا فيه قوما وجنودا قد تحصنوا يريدون القتال فعرض عليهم المسلمين ثلاثة حلول, يختارون منها أيها شاؤوا قالوا: وما هن؟ فقال لهم المسلمون:



1. الاسلام, فان أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا.

2. الجزية.

3. وان أبيتم فالحرب والقتال.



فقالوا لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة ولكن الوسطى وهي الجزية.



ودخل سعد بن أبي وقاص المدائن, عاصمة كسرى والفرس وآخر معاقلهم, وانتهى به الأمر الى ايوان كسرى ونظر سعد لضخامته وما فيه من فرش ومجوهرات, وأقبل ينظر في محتويات الأيوان والقصر وهو يقرأ قول الله تعالى:



{كم تركوا من جنات وعيون* وزروع ومقام كريم* ونعمة كانوا فيها فاكهين* كذلك وأورثناها قوما آخرين} الدخان 25-28.



وصلى سعد في القصر صلاة الصبح ثماني ركعات, لم يفصل بينهن, واتخذ الايوان مسجدا وجعله مصلى للمسلمين, وكان فيه تماثيل من الجص, ولم يلقها المسلمون, وتركوها على حالها, وأتم الصلاة في المدائن, اذ نوى سعد الاقامة بها, وكانت أول جمعة له فيها في صفر سنة ست عشرة.



وتحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزته التي قال فيها:" الله أكبر.. أعطيت مفاتيح فارس والله اني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا", وتحققت المعجزة.
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 05:49 PM   #5
proxy
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 923
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
proxy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-08-2012 , 05:49 PM
proxy proxy غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 923
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 06:15 PM   #6
المسبار
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 657
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
المسبار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-08-2012 , 06:15 PM
المسبار المسبار غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 657
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 06:23 PM   #7
رائد
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المفتي مشاهدة المشاركة
المعركه عقديه فاترك عنك التعصب فالاسلام جمع سلمان الفارسي بعمر العربي بصهيب الرومي ببلال الحبشي والا العرب قبل الاسلام متفرقون وسط حروب طاحنه من اجل لقمة العيش يعني حنشل على لهجة اهل نجد


هل مجرد ذكر هذة المعركة الخالدة يعتبر تعصب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رائد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16-08-2012 , 06:23 PM
رائد رائد غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 3,697
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المفتي مشاهدة المشاركة
المعركه عقديه فاترك عنك التعصب فالاسلام جمع سلمان الفارسي بعمر العربي بصهيب الرومي ببلال الحبشي والا العرب قبل الاسلام متفرقون وسط حروب طاحنه من اجل لقمة العيش يعني حنشل على لهجة اهل نجد


هل مجرد ذكر هذة المعركة الخالدة يعتبر تعصب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 08:03 PM   #8
اسلوب
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 2,168
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رائد مشاهدة المشاركة
معركة القادسية هي معركة وقعت في 13 شعبان 15هـ 635م

نعود بكم أيها الإخوة إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد من عهود ثالث أعظم رجالات التاريخ الإسلامي، بل التاريخ كله، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .

كان الصراع بين الدولة الإسلامية وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.

وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.

تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟

ولنعلم أيها الإخوة أنه لا يمكننا أن نصور هذه المعركة في ربع ساعة، ولكننا مجرد إشارات.

فلننتقل إلى الجبهة.

ههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟

إنهم المثل الأعلى في الجندية في كل مكان وزمان، كان الواحد منهم يقاتل وهو جائع، يقاتل وهو متعب، يقاتل وهو مثخن، يقاتل وهو مريض، قاتل في الصحاري المتوقدة في المناطق الحارة، قاتل على السفوح المغطاة بالثلوج في المناطق الباردة، قاتل في آسيا، في أوروبا، في أفريقيا، قاتل في البر، وقاتل في البحر، كان الشاب يقاتل، والشيخ يقاتل، بل والمرأة تقاتل.

مُني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات المسلمين، فعزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، واستخدم أعنف أنواع الأسلحة التي قدر عليها في وقته، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى خليفة المسلمين في المدينة عمر بن الخطاب ، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه.

واجتمع الناس بالمدينة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق، والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه، ثم أشاروا عليه بغير ذلك، فقال لهم: (إني كنت عزمت على المسير، حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، فأشيروا علي برجل).

فأخذ الناس يشيرون عليه، حتى قال له الصحابة: إليك الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، إنه الأسد عادياً.

فاستدعاه عمر ووصاه، وأوصى الجيش الذي معه، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف، وكان مع المثنى بن حارثة في العراق ثمانية آلاف، لكن المثنى مات قبل وصول سعد، وتتابعت الإمدادات إلى القادسية حتى صار مع سعد بن أبي وقاص ثلاثون ألفاً، منهم تسعة وتسعون صحابياً بدرياً.

كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً: (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم).

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه.

أرسل سعد وفداً إلى ملك الفرس يزدجرد فيهم: النعمان بن مقرن المزن، والمغيرة بن شعبة، قال لهم يزدجرد في كل غطرسة وكبر: "إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، ولا أسوء ذات بينكم، قد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم، ولا تغزوكم فارس، ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس، فإن كان الجهد دعاكم لقتالنا فرضنا لكم قوتاً، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم".

فقال له أحد أعضاء الوفد كلاماً طويلاً جاء فيه: (لقد أرسل إلينا الله رسولاً بالحق ويأمر بالعدل، وقال لنا: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك).


ونحن أناسٌ لا توسـط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبـر

تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر

فاستشاط ملك الفرس وهو ملك المشرق، ورئيس إحدى الدولتين العظميين، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم.

وسار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام )، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً.

سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل له سعد ربعي بن عامر فدار بينهما حوار مشهور، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد، فحاوره بما يشبه الحوار الأول، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له سعدٌ المغيرة بن شعبة فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.

فقالت السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة، فهابه رستم وبدأ بممازحته ليمحو ما صنع.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...


الخطبة الثانية


وبعد:

وفي اليوم الثاني، وهو أول أيام المعركة، عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.

ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).

وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

وفي أثناء المعركة برز أحد الفرس ونادى بالمبارزة، فوثب إليه الفارس المغوار عمرو بن معد يكرب، فبارزه، فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس وقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس، وبارز فارساً آخر فاعتنقه، وحمله حتى جاء به إلى المسلمين، كسر عنقه ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وقال: هكذا فافعلوا بهم.

أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَا

نعم هم كذلك الكفار على اختلاف أوصافهم، يرمون من بعيد، سواء كان من الطائرات، أو من دباباتهم المجنزرة، ولا يقدرون على النزال وجهاً لوجه.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وكر الفرس بسبعة عشر فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة، فارتفع عواؤها، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه، ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب، وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس، وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث، وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع بن عمرو التميمي، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجللين الأرض بصيحات التكبير.

وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم.

وعلى التو، وفور وصوله، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر: لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ففعلوا بهم هذا اليوم، وهو يوم أغواث، كما فعلت فارس في اليوم الأول يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لا ينام، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ثلاثون ألفاً.

وهناك في المدينة المنورة، حيث عمر بن الخطاب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول الفكر بأمر القادسية، فكان يخرج كل يوم متنسماً أخبار جيشه منذ الصباح إلى انتصاف النهار لعله يرى من يزف له البشرى بالنصر.

وفي اليوم الذي ورد فيه البشير لقيه عمر، وهو يسرع على ناقته، فسأله عمر: من أين؟ فأخبره أنه من قبل سعد بن أبي وقاص، آت من القادسية، فقال عمر: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو، كل هذا، والبشير مسرع على ناقته يريد أن ينقل الخبر إلى أمير المؤمنين، ولم يعرف أن الذي سأله هو أمير المؤمنين، وعمر يجري وراءه يستخبره الخبر، حتى دخل المدينة، فسلم الناس على عمر بأمير المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين، وعمر يقول: لا عليك، فنادى: الصلاة جامعة، وزف إلى المسلمين بشرى النصر، وقرئ كتاب الفتح، ومما جاء في الكتاب: (وأصيب سعد، وعبيد القارئ، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل، دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود).

عباد الله، ها هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين، ومعركة أخرى يا أبناء سعد، وخالد والقعقاع، إنها معركة تل أبيب، التي سيسطرها التاريخ، ويقرأ أولاد المسلمين في المدارس، قصة طرد اليهود من فلسطين، حيث لا تغيير في مناهج التعليم ولا طمس لانتصارات هذه الأمة.

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائقنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرة وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون.

أرى للفجر إرهاصــا قريباً بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويامجوسي ويلك من جموع تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا ولو سالت سيول من د مـــاء

أيها المسلمون، اختم هذه الخطبة بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصية اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن يعيش المسلمون مخدرون بأمجاد الماضي دون أن يصنعوا حاضرهم بدمائهم، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المزلق، إن العمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
اللهم اعزالاسلام والمسلمين واذل الكفار والكافرين
اسلوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-08-2012 , 08:03 PM
اسلوب اسلوب غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 2,168
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رائد مشاهدة المشاركة
معركة القادسية هي معركة وقعت في 13 شعبان 15هـ 635م

نعود بكم أيها الإخوة إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد من عهود ثالث أعظم رجالات التاريخ الإسلامي، بل التاريخ كله، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .

كان الصراع بين الدولة الإسلامية وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.

وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.

تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟

ولنعلم أيها الإخوة أنه لا يمكننا أن نصور هذه المعركة في ربع ساعة، ولكننا مجرد إشارات.

فلننتقل إلى الجبهة.

ههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟

إنهم المثل الأعلى في الجندية في كل مكان وزمان، كان الواحد منهم يقاتل وهو جائع، يقاتل وهو متعب، يقاتل وهو مثخن، يقاتل وهو مريض، قاتل في الصحاري المتوقدة في المناطق الحارة، قاتل على السفوح المغطاة بالثلوج في المناطق الباردة، قاتل في آسيا، في أوروبا، في أفريقيا، قاتل في البر، وقاتل في البحر، كان الشاب يقاتل، والشيخ يقاتل، بل والمرأة تقاتل.

مُني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات المسلمين، فعزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، واستخدم أعنف أنواع الأسلحة التي قدر عليها في وقته، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى خليفة المسلمين في المدينة عمر بن الخطاب ، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه.

واجتمع الناس بالمدينة فخرج عمر معهم إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق، والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار عمر الصحابة في قيادته للجيش بنفسه، ثم أشاروا عليه بغير ذلك، فقال لهم: (إني كنت عزمت على المسير، حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، فأشيروا علي برجل).

فأخذ الناس يشيرون عليه، حتى قال له الصحابة: إليك الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، إنه الأسد عادياً.

فاستدعاه عمر ووصاه، وأوصى الجيش الذي معه، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف، وكان مع المثنى بن حارثة في العراق ثمانية آلاف، لكن المثنى مات قبل وصول سعد، وتتابعت الإمدادات إلى القادسية حتى صار مع سعد بن أبي وقاص ثلاثون ألفاً، منهم تسعة وتسعون صحابياً بدرياً.

كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً: (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم).

أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه.

أرسل سعد وفداً إلى ملك الفرس يزدجرد فيهم: النعمان بن مقرن المزن، والمغيرة بن شعبة، قال لهم يزدجرد في كل غطرسة وكبر: "إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، ولا أسوء ذات بينكم، قد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم، ولا تغزوكم فارس، ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس، فإن كان الجهد دعاكم لقتالنا فرضنا لكم قوتاً، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم".

فقال له أحد أعضاء الوفد كلاماً طويلاً جاء فيه: (لقد أرسل إلينا الله رسولاً بالحق ويأمر بالعدل، وقال لنا: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك).


ونحن أناسٌ لا توسـط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبـر

تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر

فاستشاط ملك الفرس وهو ملك المشرق، ورئيس إحدى الدولتين العظميين، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم.

وسار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام )، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً.

سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل له سعد ربعي بن عامر فدار بينهما حوار مشهور، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد، فحاوره بما يشبه الحوار الأول، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له سعدٌ المغيرة بن شعبة فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.

فقالت السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة، فهابه رستم وبدأ بممازحته ليمحو ما صنع.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب...


الخطبة الثانية


وبعد:

وفي اليوم الثاني، وهو أول أيام المعركة، عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه وإليتيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.

ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).

وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.

وفي أثناء المعركة برز أحد الفرس ونادى بالمبارزة، فوثب إليه الفارس المغوار عمرو بن معد يكرب، فبارزه، فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس وقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس، وبارز فارساً آخر فاعتنقه، وحمله حتى جاء به إلى المسلمين، كسر عنقه ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وقال: هكذا فافعلوا بهم.

أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَا

نعم هم كذلك الكفار على اختلاف أوصافهم، يرمون من بعيد، سواء كان من الطائرات، أو من دباباتهم المجنزرة، ولا يقدرون على النزال وجهاً لوجه.

ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وكر الفرس بسبعة عشر فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة، فارتفع عواؤها، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه، ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب، وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس، وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث، وهو الرابع عشر من المحرم.

وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع بن عمرو التميمي، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجللين الأرض بصيحات التكبير.

وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم.

وعلى التو، وفور وصوله، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر: لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ففعلوا بهم هذا اليوم، وهو يوم أغواث، كما فعلت فارس في اليوم الأول يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.

أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.

وبات القعقاع لا ينام، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.

وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعدت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.

فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.

فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ثلاثون ألفاً.

وهناك في المدينة المنورة، حيث عمر بن الخطاب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول الفكر بأمر القادسية، فكان يخرج كل يوم متنسماً أخبار جيشه منذ الصباح إلى انتصاف النهار لعله يرى من يزف له البشرى بالنصر.

وفي اليوم الذي ورد فيه البشير لقيه عمر، وهو يسرع على ناقته، فسأله عمر: من أين؟ فأخبره أنه من قبل سعد بن أبي وقاص، آت من القادسية، فقال عمر: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو، كل هذا، والبشير مسرع على ناقته يريد أن ينقل الخبر إلى أمير المؤمنين، ولم يعرف أن الذي سأله هو أمير المؤمنين، وعمر يجري وراءه يستخبره الخبر، حتى دخل المدينة، فسلم الناس على عمر بأمير المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين، وعمر يقول: لا عليك، فنادى: الصلاة جامعة، وزف إلى المسلمين بشرى النصر، وقرئ كتاب الفتح، ومما جاء في الكتاب: (وأصيب سعد، وعبيد القارئ، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل، دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود).

عباد الله، ها هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، بدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين، ومعركة أخرى يا أبناء سعد، وخالد والقعقاع، إنها معركة تل أبيب، التي سيسطرها التاريخ، ويقرأ أولاد المسلمين في المدارس، قصة طرد اليهود من فلسطين، حيث لا تغيير في مناهج التعليم ولا طمس لانتصارات هذه الأمة.

نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائقنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرة وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس صهيون.

أرى للفجر إرهاصــا قريباً بــرغم الليل أوشك بالــزهاء

سنأخـذ ثأرنا من كــل باغ ونـطعــمه مرارات البـلاء

فيا صهيون ويامجوسي ويلك من جموع تحب الموت حـــبك للبقاء

سيرفع صوتها: الله أكــبر مد وية بأكناف الفــضـــاء

ويرجـع قدسنا المنهوب منا ولو سالت سيول من د مـــاء

أيها المسلمون، اختم هذه الخطبة بتنبيه هام جداً، وهو أننا نوقن بأن معالجة مصية اهتزاز الثقة بالنفس يكون بعدة وسائل منها استرجاع أمجاد الماضي، لكن الحذر ثم الحذر، أن يعيش المسلمون مخدرون بأمجاد الماضي دون أن يصنعوا حاضرهم بدمائهم، إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، ما صنع الماضون مجدهم إلا بأنفسهم، لم يخلدوا إلى الراحة، ولم يركنوا إلى التاريخ، فحذار ثم حذار من هذا المزلق، إن العمل لنصرة هذا الدين، واجب على الجميع وجوباً لا ينقطع، ما تعاقب الليل والنهار، فإن تخلينا عن حمل هذه الرسالة فليس لنا إلا ذل, وقهر أسوء مما نعيش فيه، فلنختر لأنفسنا هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
اللهم اعزالاسلام والمسلمين واذل الكفار والكافرين
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 08:09 PM   #9
عبدالرحمن الأول
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,445
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
عبدالرحمن الأول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16-08-2012 , 08:09 PM
عبدالرحمن الأول عبدالرحمن الأول غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,445
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
قديم 16-08-2012, 08:41 PM   #10
رفيـع الشـان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 669
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
رفيـع الشـان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16-08-2012 , 08:41 PM
رفيـع الشـان رفيـع الشـان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 669
افتراضي رد: احدى المعارك الاسلامية الخالدة " معركـــــة القادسيــــــة " وانتصار العرب على الفرس ..

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
إضافة رد


يشاهد الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
الانتقال السريع


الساعة الآن 12:48 PM