عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2021, 07:38 PM   #13
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: هنا مايفيدك مقتطفات عن استقبال شهر رمضان المبارك

ونحن في أيام الخير والبركة، أيام شهر شعبان، ونستعد ونتأهل لمزيد الخيرات وعظيم البركات من الله عزَّ وجلَّ في شهر رمضان؛ ماذا ينبغي علينا أن نفعله جميعاً الآن؟ أن نعمل بقول واحد للحبيب!! فيه خيرٌ لنا في الدنيا وسعادة يوم الدين، قال صلى الله عليه وسلم: {إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها فعسى أن تصيبكم نفحة لن تشقوا بعدها أبدًا}[1]. ما هذه النفحات التي ينبغي أن نتعرض لها؟ وكيف نستعد ونتجهز لها لنكون من أهلها؟ وتتنزل علينا بفضل الله عزَّ وجلَّ في حينها ووقتها؟
إن نفحات الله عزَّ وجلَّ التي ذكرها الحبيب ليست نفحات حسِّيَّة أرضية؛ كأكل أو شرب، أو مال أو مناصب فانية، وإنما النفحات التي تنزل من الله على قدر الله جلَّ في علاه، أن يمنح عبدًا مغفرته؛ فيغفر له ما تقدم من ذنبه، أن يَمُنَّ الله عزَّ وجلَّ على عبد فَيُبَدِّلَ ذنوبه حسنات.
أن يتنزل الله عزَّ وجلَّ على عبد فيجعل صدره منشرحًا للطاعات، ويجعله حريصًا على قيامه بأعمال البِرِّ والنوافل تقربًا لله جلَّ في علاه، لا رياءً ولا سمعةً بين خلق الله.
أن يَمُنَّ الله عزَّ وجلَّ على عبد فيجعل الموت بين عينيه، ويجعل الآخرة ملموحًا لناظر قلبه، فيمشي ويقعد ويتحرك ويسكن وهو ينتظر الموت، وينظر لما قدمه لنفسه في أخراه، فيمتنع عن الشَّرِّ وعن السوء وعن أهله، ويسارع إلى الخيرات والنوافل والقربات، ويحرص على أن يكون في كل أنفاسه في الطاعات، وأن يتأسى فيها كلها ويقتدي فيها بهدي سيِّد السادات؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن يوفق الله عزَّ وجلَّ العبد فيحفظه بحفظه من الوقوع في الكبائر، ويحفظ سرَّه وخاطره من التفكير في الصغائر، فلا يفكر أبدًا في الذنوب، ولا يخطر على باله أبدًا أن يقع في العيوب، بل كلُّ فكره دائمٌ في كل ما يحبِّه الله، وفيما كان عليه سيدنا رسول الله، فيحرص على العمل بقول الله جلَّ في علاه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [21الأحزاب].
أن يوفق الله عزَّ وجلَّ العبد فيجعل لسانه مستقيم، لا ينطق إلا بالقول الذي يرضي العزيز الكريم، فيدخل في قول الله في ثُلَّة مِنْ خَلْقِ الله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [24الحج].
أن يتنزل الله عزَّ وجلَّ بالسكينة في قلبه، والسكينة تتنزل من الله على القلوب العامرة بالإيمان بالله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [4الفتح].
أن يطمئن الله عزَّ وجلَّ قلبه عند الشدائد والمحن والملمات، فيدخل في بشرى الله عزَّ وجلَّ في قوله: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [28الرعد]. فيكون الناس في هلع وجزع، وهو مطمئن بالله، متوكل على حضرة الله، لا يخشى سوىً من الخلق، وقد اعتمد على الله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [3الطلاق].
أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيعلِّمه علمًا بغير تَعَلُّم: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ [282البقرة].
أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ ويجعل له نورًا في قلبه؛ يميز به بين الطيب والخبيث، بين الحلال والحرام، بين السيئ والأسوأ: ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ [29الأنفال]. فيكون من المَعْنِيِّينَ بقول البشير النذير صلى الله عليه وسلم: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله}[2].
أن يجعل له عزَّ وجلَّ دعاءه مجاب، ورجاءه مستجاب، فلا يرفع أكف الضراعة إلى الله إلا ولبَّاه، بل لا يتحرك في قلبه خطرة إلا وأجابها مولاه، إن الله عزَّ وجلَّ قال في قوم: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [34الزمر]. قيل للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: كيف حالك مع الله؟ فقال رضي الله عنه: ما احتجت إلى شيء إلا وقلت: يا ربِّ، عَبْدُكَ جعفر يحتاج إلى كذا. فما أستتم كلامي إلا وأجد هذا الشيء بجواري. عَبْدٌ جعله الله مُجَابَ الدعاء، مُحَقَّقَ الرجاء.
عطايا الله لا تعدّ، ونفحات الله عزَّ وجلَّ لا تحدّ، كيف نستعد لها ونتهيأ لها؟!!
معلوم أن عطاء الله لا يتنزل في الجيوب، ولكن يتنزل في القلوب، ولذلك قال الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}[3].
فالاستعداد لعطاء لله يكون بتجهيز القلوب، وتجهيز القلوب يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول طُهْرَتُها من أيِّ أمر فيه شرٌّ أو ضُرٌّ يتعلق بالخَلْق؛ أن يُخْرِجَ من القلب البُغض والكُره، والغل والحسد، والأنانية والأثرة، والشح والطمع، وكلَّ أمر يعطل بين الإنسان وبين إخوانه المؤمنين، لأن الله جعل شرط الأخوة الإيمانية - لمن يريد أن يدخل فيها في الدنيا، ويكون فيها في الآخرة مع خير البرية - أن يكون قلبه ليس فيه أي شيء نحو جميع البرية: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [47الحجر].
ونضع بعد ذلك قواعد الأخوة الإيمانية، ونوطد العلاقات على المائدة القرآنية، وبما أمرنا به خير البرية صلى الله عليه وسلم؛ نجعل في القلوب الحُبَّ لبعضنا، نجعل في القلوب النفع لإخواننا، الرغبة في الصلح بين المتخاصمين، الرغبة في التأليف بين المتنافرين، الكَفَّ عن التنازع في أيِّ أمر من أمور الدنيا أو من أمور الدين، وَنَرُدَّ الخلاف إلى المتخصصين، وما يحكمون به نقول كما علَّمنا ربُّ العالمين: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [285البقرة].
أن نسعى دائمًا وأبدًا لوحدة المسلمين، وَلَـمِّ شمل المؤمنين، ولا نجعل المؤمنين متفرقين إلى فِرَقٍ شتى، وإلى أحزاب متشاكسة ومتناوءة، لأن هذا يحجب عنا جميعًا فضل الله، وكرم الله، وعطاء الله جلَّ في علاه، فإن الله عزَّ وجلَّ جعل الخير والبركة بالقرى التي تجتمع على تقوى الله وطاعة الله، وتدع النزاعات والخلافات والإحن جانبًا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ [96الأعراف].
خرج سيدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة وأتم السلام ومعه بنو إسرائيل لصلاة الاستسقاء، وإذا بربِّ العزِّة يقول له: يا موسى، لا أستجيب لكم وفيكم نَمَّام. قال: يا ربِّ ومَنْ هو؟ قال: يا موسى أأنهى عن النميمة وأكون نمام؟!!! فدعاهم سيدنا موسى للتوبة النصوح أجمعين، فنزل عليهم المطر بالخير من عند ربِّ العالمين، عندما اجتمعوا على الألفة والمحبة، والتواد وطاعة الله عزَّ وجلَّ.
وهكذا دين الله عزَّ وجلَّ، وعطاء الله، ينزل على الجماعة إذا كانت الجماعة كلها على قلب رجل واحد، يقول فيهم نبيُّها صلى الله عليه وسلم: {ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}[4].
قد يكون بيننا خلاف في الرأي، فأصحاب رسول الله كانوا يختلفون في الرؤى، لكن كان هديهم ومبدؤهم: (الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية). لا يتحول الخلاف إلى خصام ولا إلى نزاع، ولا إلى حقد ولا إلى كُره، ولا إلى حرب - لأن الحرب لا تكون إلا على الكافرين ظاهرين الكفر، أو المشركين المحاربين لنا، أما كل من يقول (لا إله إلا اله محمد رسول الله) فهو أخي، ارتضى رأيًا من الدين وعمل به، فلا بأس، لكن لا يفرضه عليَّ، ولا يقتتل من أجل هذا الرأي، وأنا أيضًا لي رأيي الذي أختاره من دين الله ما دام يطابق شرع الله، وله دليل في كتاب الله، وله برهان في سنة رسول الله، وإذا اختلفنا فنرجع إلى العلماء العاملين، أهل الوسطية الذين قال لنا فيهم الله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [43النحل].
لكن هؤلاء يسبُّون هؤلاء، وهؤلاء يشتمون هؤلاء، وهؤلاء يشنعون على هؤلاء، وهؤلاء يحاولون أن يقبِّحوا هؤلاء وآراءهم، ليس هذا من دين الله عزَّ وجلَّ - يا إخواني - وإنما من النفوس التي بعدت عن رحمة المليك القدوس عزَّ وجلَّ، وإذا مشينا في ذلك وحلَّ بنا العنا، فإن رحمة الله عزَّ وجلَّ تتوقف عن هذه البلاد حتى يرجعوا إلى قول الله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
إذن لابد أن أؤهل قلبي لنزول العطاء بالصفاء لجميع خلق الله، أؤهل قلبي نحو الله بأن أملأه بالإخلاص لله وحده في أي عمل في السرِّ والعلانية، لا أعمل عملاً - مهما قلَّ - رياءً ولا سمعةً ولا شهرة، وإنما عملي لله، وقولي لله، وعبادتي لله، وإنفاقي لله، وكل أحوالي لله، قال صلى الله عليه وسلم: {من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل ولاية الله عزَّ وجلَّ}[5].
ولابد أن أكون صادقًا في اتباعي خير النبيِّين والمرسلين، ولا يتم ذلك إلا إذا اتبعته على عِلْمٍ، فلا أجتهد في موضع لا ينبغي فيه الاجتهاد، وإنما أجالس العلماء وأتعلم من الحكماء ما به أصدق في متابعتي لسيِّد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم. فإذا كان الإنسان يعمل خالصًا لوجه الله، يا بشراه، قال ربُّ العزَّة عزَّ وجلَّ: ﴿الإخلاص سرٌ من أسراري أستودعه قلب من أحب من عبادي﴾[6]. وما أمرنا أن نعبده إلا بالإخلاص: ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [5البينة].
وأن نقوم بين يديه عزَّ وجلَّ دائمًا وأبداَّ مرتدين ثياب العبودية، نشعر أننا في حاجة إلى الله، وأننا فقراء إلى الغني، وأننا جهلاء أمام حضرة العليم، وأننا نحتاج إلى الله عزَّ وجلَّ في كل أنفاسنا، فإذا تجهَّز العبد بذلك كان أهلاً لعطاء الله وخير الله وإكرام الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أتاكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله تعالى فيه، فيستجيب الدعاء، ويحقق الرجاء، ويضاعف الأعمال، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه من رحمة الله عزَّ وجلَّ}[7]. أو كما قال، (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31النور).
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أعاننا وقوانا وجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (70القصص). وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلَّا هالك.
اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد خير النبيِّين، وبشارة الأنبياء السابقين، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدِّين. صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
كان أصحاب حضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُؤهلون أنفسهم، ويجهزون أنفسهم لفضل الله الوارد في شهر رمضان، بمراجعة أنفسهم عمَّا سبق لهم من أعمال، وما هم في حاجة إليه من أحوال، ليتحقق لهم من الله الآمال، فينظرون فيما مضى من العمل، ويستحضرون الذنوب التي وقعوا فيها أو التي فعلوها، ولذلك كانوا يكثرون في هذا الشهر المبارك شهر شعبان من التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، يتوب كلُّ واحد منهم إلى الله، ولا يتوقف لسانه عن الاستغفار، وقلبه - مع الاستغفار - في الوجل والندم والأسف من الله عزَّ وجلَّ، فيأسفون على ما فاتهم من تقصير في الطاعات، ويندمون على ما فعلوه من المعاصي والمخالفات، ويقدمون التوبة النصوحة لله عزَّ وجلَّ، لعلَّ الله عزَّ وجلَّ يغفر لهم ولنا فيما مضى من الأيام، ويوفقنا لعمل الصالح وصالح العمل فيما بقي من الأيام.
وكانوا ينظرون إلى ما عليهم من الواجبات يؤدوها في هذه الأيام المتبقيات، فكانت نساؤهم يَصُمْنَّ ما تبقى عليهن من أيام - أفطرنها في شهر رمضان ولم يصمنها - في هذه الأيام من شهر شعبان، وكان من جملة ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها فقد كانت تصوم ما عليها من رمضان في شهر شعبان، حتى يدخل شهر رمضان وليس عليه دَيْنٌ لحضرة الديان عزَّ وجلَّ.
وكان من فطنتهم وكياستهم يجعلون زكاة أموالهم في شهر شعبان - وزكاة المال لابد أن تكون مرة في العام، والعام لابد أن يكون عاماً هجرياً، لا يجوز أن نحسبها بالعام الميلادي، لأن العام الهجري ينقص عن العام الميلادي إحدى عشر يومًا تقريبًا - فكانوا يجعلون وقت إخراج زكاة المال في شهر شعبان، وزكاة المال لمن بلغ عنده النصاب، والنصاب أن يكون ما معه من المال يساوي ثمن 85 جراماً ذهباً، أي ما يزيد عن عشرين ألف جنيه الآن، ومرَّ عليه عام، فإذا كان كذلك يُخرج عنه رُبْعَ العشر، أي: اثنان ونصف في المائة، أي عن كلِّ ألفٍ خمسة وعشرين جنيهاً - يخرجها في شهر شعبان، ولما سئلوا في ذلك، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان أصحاب النَّبِيِّ رضي الله عنهم يخرجون زكاة أموالهم في شهر شعبان، ليتقوَّى الفقير والمسكين على صيام شهر رمضان)، حتى يُوَّفِرَ على نفسه العناء - عناء العمل والكدح والكَدِّ - في شهر رمضان.
وقد حثَّ النَّبِيُّ كُلَّ أهل الإيمان على أن يخففوا الأعمال عن العمال الذين يعملون عندهم في شهر رمضان، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خَفَّفَ عَنْ مملوكه فيه وقاه الله من عذاب جهنم يوم القيامة)[8]، فكانوا يخرجون زكاة أموالهم في شهر شعبان ليتقوى الفقير والمسكين، فيكون عنده رصيد من المال يكفي حاجاته في رمضان فيتفرغ في رمضان لطاعة الله وعبادة الله، ولا يكابد العمل لأن الله أغناه بما أعطاه له إخوانه المسلمين.
وكان التجار يأتون بالبضاعة في شهر شعبان، فيشتري المؤمن ما يحتاج إليه من ضروريات في شعبان، فإذا هَلَّ هلالُ رمضان تفرَّغوا لطاعة الله، لم يدخلوا الأسواق إلا لِمَاماً، لأنهم دخلوا سوق العبادة وسوق الطاعة؛ يقرأون القرآن ويحافظون على صلاة القيام، ويحافظون على صلاتهم وعلى صلة أرحامهم.
وكانوا كذلك يتجهزون في شهر شعبان بأن يصالحوا مَنْ بينهم وبينه خصومة، ويسترضون مَنْ بينهم وبينه نفور أو عداوة، ويصلون أرحامهم ويَبِرُّون آباءهم وأمهاتهم، حتى إذا دخل المسلمون شهر رمضان دخلوا وكأنهم رجلٌ واحد؛ قلوب صافية، وصدورهم منشرحة لله، وأبدان هينة لينة في طاعة الله، وجوارح محفوظة مصونة من معصية الله، وألسنة لا تكِلُّ ولا تمِلُّ مِنْ ذِكْرِ الله، وتبادل للخير وتعاون على البرّ، فيعمهم الله عزَّ وجلَّ بنفحات رمضان وما أكثرها الآن.
وما أحوجنا جميعًا أهل هذه القرية - وأهل مصر أجمعين - إلى وحدة الصف، وإلى جمع القلوب، وإلى النَّهْيِ عن الشتات وَلَـمِّ الفرقة، وأن نضع أيدينا في أيدي بعضنا، ونتجه جميعًا إلى الله نطلب من الله عزَّ وجلَّ لعله يرفع عنا غضبه ومقته.
اللهم انظر إلينا نظرة رضا وحنان وبدِّلْ حالنا إلى أحسن حال.
اللهم ألف بين قلوب عبادك المؤمنين، وأصلح شأن أهل مصر أجمعين، حكَّاماً ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، وأذهب العند والكيد والغل والحقد من نفوس المسئولين أجمعين، واجعلهم حريصين على العمل لإعلاء هذا الدين، ولرفعة هذا الوطن، ولما فيه خير المسلمين، فقراء وأغنياء، وأصحاء ومرضى وضعفاء، حتى نكون جميعًا في خير مِنَّةٍ يا أكرم الأكرمين.

**************

التعديل الأخير تم بواسطة ابوبيان ; 06-04-2021 الساعة 07:52 PM سبب آخر: خطا في النص
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #13  
قديم 06-04-2021 , 07:38 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: هنا مايفيدك مقتطفات عن استقبال شهر رمضان المبارك

ونحن في أيام الخير والبركة، أيام شهر شعبان، ونستعد ونتأهل لمزيد الخيرات وعظيم البركات من الله عزَّ وجلَّ في شهر رمضان؛ ماذا ينبغي علينا أن نفعله جميعاً الآن؟ أن نعمل بقول واحد للحبيب!! فيه خيرٌ لنا في الدنيا وسعادة يوم الدين، قال صلى الله عليه وسلم: {إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها فعسى أن تصيبكم نفحة لن تشقوا بعدها أبدًا}[1]. ما هذه النفحات التي ينبغي أن نتعرض لها؟ وكيف نستعد ونتجهز لها لنكون من أهلها؟ وتتنزل علينا بفضل الله عزَّ وجلَّ في حينها ووقتها؟
إن نفحات الله عزَّ وجلَّ التي ذكرها الحبيب ليست نفحات حسِّيَّة أرضية؛ كأكل أو شرب، أو مال أو مناصب فانية، وإنما النفحات التي تنزل من الله على قدر الله جلَّ في علاه، أن يمنح عبدًا مغفرته؛ فيغفر له ما تقدم من ذنبه، أن يَمُنَّ الله عزَّ وجلَّ على عبد فَيُبَدِّلَ ذنوبه حسنات.
أن يتنزل الله عزَّ وجلَّ على عبد فيجعل صدره منشرحًا للطاعات، ويجعله حريصًا على قيامه بأعمال البِرِّ والنوافل تقربًا لله جلَّ في علاه، لا رياءً ولا سمعةً بين خلق الله.
أن يَمُنَّ الله عزَّ وجلَّ على عبد فيجعل الموت بين عينيه، ويجعل الآخرة ملموحًا لناظر قلبه، فيمشي ويقعد ويتحرك ويسكن وهو ينتظر الموت، وينظر لما قدمه لنفسه في أخراه، فيمتنع عن الشَّرِّ وعن السوء وعن أهله، ويسارع إلى الخيرات والنوافل والقربات، ويحرص على أن يكون في كل أنفاسه في الطاعات، وأن يتأسى فيها كلها ويقتدي فيها بهدي سيِّد السادات؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن يوفق الله عزَّ وجلَّ العبد فيحفظه بحفظه من الوقوع في الكبائر، ويحفظ سرَّه وخاطره من التفكير في الصغائر، فلا يفكر أبدًا في الذنوب، ولا يخطر على باله أبدًا أن يقع في العيوب، بل كلُّ فكره دائمٌ في كل ما يحبِّه الله، وفيما كان عليه سيدنا رسول الله، فيحرص على العمل بقول الله جلَّ في علاه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [21الأحزاب].
أن يوفق الله عزَّ وجلَّ العبد فيجعل لسانه مستقيم، لا ينطق إلا بالقول الذي يرضي العزيز الكريم، فيدخل في قول الله في ثُلَّة مِنْ خَلْقِ الله: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [24الحج].
أن يتنزل الله عزَّ وجلَّ بالسكينة في قلبه، والسكينة تتنزل من الله على القلوب العامرة بالإيمان بالله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [4الفتح].
أن يطمئن الله عزَّ وجلَّ قلبه عند الشدائد والمحن والملمات، فيدخل في بشرى الله عزَّ وجلَّ في قوله: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [28الرعد]. فيكون الناس في هلع وجزع، وهو مطمئن بالله، متوكل على حضرة الله، لا يخشى سوىً من الخلق، وقد اعتمد على الله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [3الطلاق].
أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيعلِّمه علمًا بغير تَعَلُّم: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ [282البقرة].
أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ ويجعل له نورًا في قلبه؛ يميز به بين الطيب والخبيث، بين الحلال والحرام، بين السيئ والأسوأ: ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ [29الأنفال]. فيكون من المَعْنِيِّينَ بقول البشير النذير صلى الله عليه وسلم: {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله}[2].
أن يجعل له عزَّ وجلَّ دعاءه مجاب، ورجاءه مستجاب، فلا يرفع أكف الضراعة إلى الله إلا ولبَّاه، بل لا يتحرك في قلبه خطرة إلا وأجابها مولاه، إن الله عزَّ وجلَّ قال في قوم: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [34الزمر]. قيل للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: كيف حالك مع الله؟ فقال رضي الله عنه: ما احتجت إلى شيء إلا وقلت: يا ربِّ، عَبْدُكَ جعفر يحتاج إلى كذا. فما أستتم كلامي إلا وأجد هذا الشيء بجواري. عَبْدٌ جعله الله مُجَابَ الدعاء، مُحَقَّقَ الرجاء.
عطايا الله لا تعدّ، ونفحات الله عزَّ وجلَّ لا تحدّ، كيف نستعد لها ونتهيأ لها؟!!
معلوم أن عطاء الله لا يتنزل في الجيوب، ولكن يتنزل في القلوب، ولذلك قال الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}[3].
فالاستعداد لعطاء لله يكون بتجهيز القلوب، وتجهيز القلوب يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول طُهْرَتُها من أيِّ أمر فيه شرٌّ أو ضُرٌّ يتعلق بالخَلْق؛ أن يُخْرِجَ من القلب البُغض والكُره، والغل والحسد، والأنانية والأثرة، والشح والطمع، وكلَّ أمر يعطل بين الإنسان وبين إخوانه المؤمنين، لأن الله جعل شرط الأخوة الإيمانية - لمن يريد أن يدخل فيها في الدنيا، ويكون فيها في الآخرة مع خير البرية - أن يكون قلبه ليس فيه أي شيء نحو جميع البرية: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [47الحجر].
ونضع بعد ذلك قواعد الأخوة الإيمانية، ونوطد العلاقات على المائدة القرآنية، وبما أمرنا به خير البرية صلى الله عليه وسلم؛ نجعل في القلوب الحُبَّ لبعضنا، نجعل في القلوب النفع لإخواننا، الرغبة في الصلح بين المتخاصمين، الرغبة في التأليف بين المتنافرين، الكَفَّ عن التنازع في أيِّ أمر من أمور الدنيا أو من أمور الدين، وَنَرُدَّ الخلاف إلى المتخصصين، وما يحكمون به نقول كما علَّمنا ربُّ العالمين: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [285البقرة].
أن نسعى دائمًا وأبدًا لوحدة المسلمين، وَلَـمِّ شمل المؤمنين، ولا نجعل المؤمنين متفرقين إلى فِرَقٍ شتى، وإلى أحزاب متشاكسة ومتناوءة، لأن هذا يحجب عنا جميعًا فضل الله، وكرم الله، وعطاء الله جلَّ في علاه، فإن الله عزَّ وجلَّ جعل الخير والبركة بالقرى التي تجتمع على تقوى الله وطاعة الله، وتدع النزاعات والخلافات والإحن جانبًا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ [96الأعراف].
خرج سيدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة وأتم السلام ومعه بنو إسرائيل لصلاة الاستسقاء، وإذا بربِّ العزِّة يقول له: يا موسى، لا أستجيب لكم وفيكم نَمَّام. قال: يا ربِّ ومَنْ هو؟ قال: يا موسى أأنهى عن النميمة وأكون نمام؟!!! فدعاهم سيدنا موسى للتوبة النصوح أجمعين، فنزل عليهم المطر بالخير من عند ربِّ العالمين، عندما اجتمعوا على الألفة والمحبة، والتواد وطاعة الله عزَّ وجلَّ.
وهكذا دين الله عزَّ وجلَّ، وعطاء الله، ينزل على الجماعة إذا كانت الجماعة كلها على قلب رجل واحد، يقول فيهم نبيُّها صلى الله عليه وسلم: {ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}[4].
قد يكون بيننا خلاف في الرأي، فأصحاب رسول الله كانوا يختلفون في الرؤى، لكن كان هديهم ومبدؤهم: (الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية). لا يتحول الخلاف إلى خصام ولا إلى نزاع، ولا إلى حقد ولا إلى كُره، ولا إلى حرب - لأن الحرب لا تكون إلا على الكافرين ظاهرين الكفر، أو المشركين المحاربين لنا، أما كل من يقول (لا إله إلا اله محمد رسول الله) فهو أخي، ارتضى رأيًا من الدين وعمل به، فلا بأس، لكن لا يفرضه عليَّ، ولا يقتتل من أجل هذا الرأي، وأنا أيضًا لي رأيي الذي أختاره من دين الله ما دام يطابق شرع الله، وله دليل في كتاب الله، وله برهان في سنة رسول الله، وإذا اختلفنا فنرجع إلى العلماء العاملين، أهل الوسطية الذين قال لنا فيهم الله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [43النحل].
لكن هؤلاء يسبُّون هؤلاء، وهؤلاء يشتمون هؤلاء، وهؤلاء يشنعون على هؤلاء، وهؤلاء يحاولون أن يقبِّحوا هؤلاء وآراءهم، ليس هذا من دين الله عزَّ وجلَّ - يا إخواني - وإنما من النفوس التي بعدت عن رحمة المليك القدوس عزَّ وجلَّ، وإذا مشينا في ذلك وحلَّ بنا العنا، فإن رحمة الله عزَّ وجلَّ تتوقف عن هذه البلاد حتى يرجعوا إلى قول الله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [103آل عمران].
إذن لابد أن أؤهل قلبي لنزول العطاء بالصفاء لجميع خلق الله، أؤهل قلبي نحو الله بأن أملأه بالإخلاص لله وحده في أي عمل في السرِّ والعلانية، لا أعمل عملاً - مهما قلَّ - رياءً ولا سمعةً ولا شهرة، وإنما عملي لله، وقولي لله، وعبادتي لله، وإنفاقي لله، وكل أحوالي لله، قال صلى الله عليه وسلم: {من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل ولاية الله عزَّ وجلَّ}[5].
ولابد أن أكون صادقًا في اتباعي خير النبيِّين والمرسلين، ولا يتم ذلك إلا إذا اتبعته على عِلْمٍ، فلا أجتهد في موضع لا ينبغي فيه الاجتهاد، وإنما أجالس العلماء وأتعلم من الحكماء ما به أصدق في متابعتي لسيِّد الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم. فإذا كان الإنسان يعمل خالصًا لوجه الله، يا بشراه، قال ربُّ العزَّة عزَّ وجلَّ: ﴿الإخلاص سرٌ من أسراري أستودعه قلب من أحب من عبادي﴾[6]. وما أمرنا أن نعبده إلا بالإخلاص: ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [5البينة].
وأن نقوم بين يديه عزَّ وجلَّ دائمًا وأبداَّ مرتدين ثياب العبودية، نشعر أننا في حاجة إلى الله، وأننا فقراء إلى الغني، وأننا جهلاء أمام حضرة العليم، وأننا نحتاج إلى الله عزَّ وجلَّ في كل أنفاسنا، فإذا تجهَّز العبد بذلك كان أهلاً لعطاء الله وخير الله وإكرام الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أتاكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله تعالى فيه، فيستجيب الدعاء، ويحقق الرجاء، ويضاعف الأعمال، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه من رحمة الله عزَّ وجلَّ}[7]. أو كما قال، (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31النور).
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أعاننا وقوانا وجعلنا من عباده الأتقياء الأنقياء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (70القصص). وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركنا على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلَّا هالك.
اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على سيدنا محمد خير النبيِّين، وبشارة الأنبياء السابقين، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدِّين. صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
كان أصحاب حضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُؤهلون أنفسهم، ويجهزون أنفسهم لفضل الله الوارد في شهر رمضان، بمراجعة أنفسهم عمَّا سبق لهم من أعمال، وما هم في حاجة إليه من أحوال، ليتحقق لهم من الله الآمال، فينظرون فيما مضى من العمل، ويستحضرون الذنوب التي وقعوا فيها أو التي فعلوها، ولذلك كانوا يكثرون في هذا الشهر المبارك شهر شعبان من التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، يتوب كلُّ واحد منهم إلى الله، ولا يتوقف لسانه عن الاستغفار، وقلبه - مع الاستغفار - في الوجل والندم والأسف من الله عزَّ وجلَّ، فيأسفون على ما فاتهم من تقصير في الطاعات، ويندمون على ما فعلوه من المعاصي والمخالفات، ويقدمون التوبة النصوحة لله عزَّ وجلَّ، لعلَّ الله عزَّ وجلَّ يغفر لهم ولنا فيما مضى من الأيام، ويوفقنا لعمل الصالح وصالح العمل فيما بقي من الأيام.
وكانوا ينظرون إلى ما عليهم من الواجبات يؤدوها في هذه الأيام المتبقيات، فكانت نساؤهم يَصُمْنَّ ما تبقى عليهن من أيام - أفطرنها في شهر رمضان ولم يصمنها - في هذه الأيام من شهر شعبان، وكان من جملة ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها فقد كانت تصوم ما عليها من رمضان في شهر شعبان، حتى يدخل شهر رمضان وليس عليه دَيْنٌ لحضرة الديان عزَّ وجلَّ.
وكان من فطنتهم وكياستهم يجعلون زكاة أموالهم في شهر شعبان - وزكاة المال لابد أن تكون مرة في العام، والعام لابد أن يكون عاماً هجرياً، لا يجوز أن نحسبها بالعام الميلادي، لأن العام الهجري ينقص عن العام الميلادي إحدى عشر يومًا تقريبًا - فكانوا يجعلون وقت إخراج زكاة المال في شهر شعبان، وزكاة المال لمن بلغ عنده النصاب، والنصاب أن يكون ما معه من المال يساوي ثمن 85 جراماً ذهباً، أي ما يزيد عن عشرين ألف جنيه الآن، ومرَّ عليه عام، فإذا كان كذلك يُخرج عنه رُبْعَ العشر، أي: اثنان ونصف في المائة، أي عن كلِّ ألفٍ خمسة وعشرين جنيهاً - يخرجها في شهر شعبان، ولما سئلوا في ذلك، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان أصحاب النَّبِيِّ رضي الله عنهم يخرجون زكاة أموالهم في شهر شعبان، ليتقوَّى الفقير والمسكين على صيام شهر رمضان)، حتى يُوَّفِرَ على نفسه العناء - عناء العمل والكدح والكَدِّ - في شهر رمضان.
وقد حثَّ النَّبِيُّ كُلَّ أهل الإيمان على أن يخففوا الأعمال عن العمال الذين يعملون عندهم في شهر رمضان، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خَفَّفَ عَنْ مملوكه فيه وقاه الله من عذاب جهنم يوم القيامة)[8]، فكانوا يخرجون زكاة أموالهم في شهر شعبان ليتقوى الفقير والمسكين، فيكون عنده رصيد من المال يكفي حاجاته في رمضان فيتفرغ في رمضان لطاعة الله وعبادة الله، ولا يكابد العمل لأن الله أغناه بما أعطاه له إخوانه المسلمين.
وكان التجار يأتون بالبضاعة في شهر شعبان، فيشتري المؤمن ما يحتاج إليه من ضروريات في شعبان، فإذا هَلَّ هلالُ رمضان تفرَّغوا لطاعة الله، لم يدخلوا الأسواق إلا لِمَاماً، لأنهم دخلوا سوق العبادة وسوق الطاعة؛ يقرأون القرآن ويحافظون على صلاة القيام، ويحافظون على صلاتهم وعلى صلة أرحامهم.
وكانوا كذلك يتجهزون في شهر شعبان بأن يصالحوا مَنْ بينهم وبينه خصومة، ويسترضون مَنْ بينهم وبينه نفور أو عداوة، ويصلون أرحامهم ويَبِرُّون آباءهم وأمهاتهم، حتى إذا دخل المسلمون شهر رمضان دخلوا وكأنهم رجلٌ واحد؛ قلوب صافية، وصدورهم منشرحة لله، وأبدان هينة لينة في طاعة الله، وجوارح محفوظة مصونة من معصية الله، وألسنة لا تكِلُّ ولا تمِلُّ مِنْ ذِكْرِ الله، وتبادل للخير وتعاون على البرّ، فيعمهم الله عزَّ وجلَّ بنفحات رمضان وما أكثرها الآن.
وما أحوجنا جميعًا أهل هذه القرية - وأهل مصر أجمعين - إلى وحدة الصف، وإلى جمع القلوب، وإلى النَّهْيِ عن الشتات وَلَـمِّ الفرقة، وأن نضع أيدينا في أيدي بعضنا، ونتجه جميعًا إلى الله نطلب من الله عزَّ وجلَّ لعله يرفع عنا غضبه ومقته.
اللهم انظر إلينا نظرة رضا وحنان وبدِّلْ حالنا إلى أحسن حال.
اللهم ألف بين قلوب عبادك المؤمنين، وأصلح شأن أهل مصر أجمعين، حكَّاماً ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، وأذهب العند والكيد والغل والحقد من نفوس المسئولين أجمعين، واجعلهم حريصين على العمل لإعلاء هذا الدين، ولرفعة هذا الوطن، ولما فيه خير المسلمين، فقراء وأغنياء، وأصحاء ومرضى وضعفاء، حتى نكون جميعًا في خير مِنَّةٍ يا أكرم الأكرمين.

**************

التعديل الأخير تم بواسطة ابوبيان ; 06-04-2021 الساعة 07:52 PM سبب آخر: خطا في النص
رد مع اقتباس