إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-10-2017, 11:40 AM   #1
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي موسوعة_خطب_المنبر ..

بسم الله الرحمن الرحيم

لخطبة الأولى


أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واشكروه على أن أخرجكم من الظلمات إلى النور؛ فلقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وشرك، وظلم، وفساد أخلاق … وغير ذلك، وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم، حتى أنار الطريق لكل سالك، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة، وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولم يوجد لها مثيل؛ توحيد خالص لله وحده، وعدل، وإنصاف وطاعة لله ولرسوله، وتحابب في الله، وتآخ، واعتزاز بالإسلام، وعزة، وكرامة، وهيبة في قلوب الأعداء، وقد سجل لهم القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [المنافقون:8].
عباد الله!
وهكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى.
إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى؛ إلا بعد أن أكمل الله الدين، والكامل لا يقبل الزيادة عادة، وإن نعمة الله على اتباع محمد بالإسلام قد تمت، ولذلك قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:8].
نزلت هذه الآية في حجة الوداع في يوم الجمعة بعرفة، وفي اليوم نفسه خطب النبي خطبة يوم عرفة المشهورة، جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب أصحابه: ((أنتم مسؤولون عني؛ فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت. فجعل يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم! اشهد، اللهم! اشهد، اللهم! اشهد))(1).
عباد الله!
ولم يعش النبي بعد حجة الوداع طويلاً، بل أخذ يحدث أصحابه وأتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى، بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض؛ إذ قال لهم:
((تركتكم على محجة بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك))، وقال:
((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي)).
فتركهم على هذا المنهج المصون، ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه، وحذرهم من الزيادة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد))(2)،
وقال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))(3).
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية، فى أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً شديداً، وهم رجال رباهم على المنهج، وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين المهديون؛ فحافظوا على المنهج وعلى وحدة الأمة، ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق؛ لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد، أو إلى ما يشابه ذلك.
في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، وفي خلافة علي رضي الله عنه خرجت الخوارج، وتشيعت،
ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وما تريدية، فقسمت بين المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق؛ تصديقاً لقوله : ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة، وهي الجماعة))(4).
وهكذا بدأت الجاهلية المعاصرة من جديد في صور شتى، وأخص من تلك الصور جاهلية التصوف؛ فقد ظهرت وانتشرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه، بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة، فلبسوا الصوف، وقاطعوا القطن؛ بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام، فنسبوا إلى الصوف، فقيل لهم: الصوفية، فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة).
عباد الله:‍
هكذا ظهرت جاهلية التصوف، ومن تلك المدينة انتشرت، ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل؛ لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول ؛ إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها، ويدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا؛ كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟‍فقال أحدهم: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبداً وقال آخر: وأنا أقوم الليل ولا أرقد، وقال آخر: وأنا أصوم ولا أفطر. فجاء رسول الله، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله؛ إنى لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني)) (5)
فأشعرهم النبي أن الأساس في العبادة الاتباع لا الابتداع.
عباد الله‍‍!
ومما ينبغي أن يعلم أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني
لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً؛ لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله؛ فنيتهم صالحة، وقصدهم حسن؛ إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هي الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده.
عباد الله!
ولعلنا عرفنا أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد، وهما أمران مقبولان في الإسلام، بل مرغوب فيهما، ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن، وهذا شأن كل بدعة؛
إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً
مقبولاً بل محبوباً.
عباد الله!
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في معرض حديثه عن الصوفية: ولم يطل الزمن حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة، وهذه المتصوفة المنتشرة فى العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة؛ كالحلاج الذي قتل أخيراً بزندقته، وابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، وغيرهم من مشايخ الصوفية.
وقد شوهت هذه الطائفة - الصوفية - جمال الدين، وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين، الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة ومسبحة طويلة، ويستسمنون كل ذي ورم، فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف التي دخلت على السذج، وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام.
عباد الله!
لا شك أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد ورد الوعيد في ذلك؛ فعن ابن مسعود؛ قال: قال رسول الله : ((أنا فرطكم على الحوض، وليختلجن رجال دوني، فأقول: يا رب! أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ إنهم غيروا وبدلوا. فيقول النبي : سحقاً سحقاً لمن غير وبدل))(6).
فهذه براءة من النبي لمن غير وبدل في دين الله ما لم يأذن به الله.
اللهم! اجعلنا متبعين لا مبتدعين، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، على سنة رسولك .
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه،
إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
إن خير الهدي هدي محمد ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله!
لقد كثرت البدع في زماننا هذا وانتشرت، وعلى سبيل المثال لا الحصر منها التزام كيفيات وهيئات معينة؛ كالذكر على هيئة الاجتماع بصوت واحد، والتزام عبادات معينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته، والاحتفال بيوم الإسراء والمعراج، وتخصيصه بعبادة معينة؛ علماً بأن تاريخه قد اختلف في تحديده، وحتى لو عرف تاريخه؛ فإن الله لم يميزه بعبادة مخصوصة.
عباد الله!
وهناك بدعة خطيرة تفعل في هذا الشهر - ربيع الأول -، تمس شخصية الرسول ، وهي بدعة الاحتفال بعيد مولده ، والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل، بل ولا في القرون المفضلة، حتى جاءت الدولة الفاطمية .والتي انتسبت إلى فاطمة ظلماً وعدواناً، بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي - وقيل: مجوسي -، وقد احتفل الفاطميون بأربعة موالد: مولد النبى ، وعلي بن أبي طالب وولاية الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.
عباد الله ‍
قسم العلماء الاجتماع الذي يكون في ربيع الأول، ويسمى باسم المولد، إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات؛ فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في (الفتاوى الكبرى) : أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية؛ كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم) إن هذا (أي: اتخاذ المولد عيداً) لم يفعله السلف، (مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه).
قال: (ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص).
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد المسماة بـ (المورد في الكلام على عمل المولد)؛ قال في النوع الخالي من المحرمات من المولد: (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، والمتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة؛ قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً إليه، وحقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين؛ فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً).
وأما القسم الثانى من عمل المولد، وهو المحتوي على المحرمات؛ فهذا منعه العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في فتوى له: (فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة؛ فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وقال الفاكهاني في "رسالته": "الثاني (أي: من نوعي عمل المولد) : أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم المال ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يحدث من ألم الحيف وقد قال العلماء: أخذ المال بالباطل كأخذه بالسيف، لاسيما إن أدى ذلك إلى شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات: إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفراد، وهن رافعات أصواتهن بالتطريب، غافلات عن قوله: إن ربك لبالمرصاد [الفجر:14]. وهذا لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، ولاسيما أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
وقال الفاكهاني: (وقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب. هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي - وهو ربيع الأول - هو بعينه الذي توفي فيه؛ فليس الفرح فيه بأولى من الحزن).
عباد الله! ‍
لا شك أن العواطف الكاذبة ودعوى حب الرسول هي التي حدت بأولئك الجهلة أن يبتدعوا ولا يتبعوا، وكيف تجتمع دعوى حب الرسول مع مخالفة أمره في النهي عن الإحداث في الدين، والضدان لا يجتمعان، وقد جعل الله ميزان محبته ودليلها اتباع رسول الله ؛ قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران:31].
__________
(1) 1 الحديث اخرجة الامام مالك بن انس رحمه الله في " الموطا) في ( القدر، رقم 3، باب النهى عن القول بالقدر)، بلاغا، بلغة ان رسول الله قال: ((تركت فيكم امرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))
(2) 3 الحديث اخرجه: البخارى ومسلم وابو داود من حديث عائشة رضى الله عنها .
(3) 2 الحديث اخرجه الترمذى وصححه ولكن بدل قوله: " عليكم " بـ "علية " وابن حبان والحاكم، وضعفه ابن القطان الفاسى المتوفى سنة (628هـ) لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو السلمى وقال شعيب الارنؤوط: " والية اميل "
(4) 4 هذا الحديث جزء من حديث اخرجة ابن ماجة رحمة الله في ( كتاب الفتن باب افتراق الامم ) وقال البوصيرى في "الزوائد" هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ،رواة الامام احمد في " مسنده ".
(5) 5 رواه البخارى .
(6) 6 الحديث اخرجه البخارى في ( الفتن) بلفظ مقارب، وكذا مسلم في ( الطهارة) بلفظ مقارب، وابن ماجة في (الزهد 4361) بلفظ مقارب ومالك رحمه الله في " الموطا" ( كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء، حديث رقم 28).
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #1  
قديم 10-10-2017 , 11:40 AM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي موسوعة_خطب_المنبر ..

بسم الله الرحمن الرحيم

لخطبة الأولى


أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واشكروه على أن أخرجكم من الظلمات إلى النور؛ فلقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وشرك، وظلم، وفساد أخلاق … وغير ذلك، وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم، حتى أنار الطريق لكل سالك، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة، وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولم يوجد لها مثيل؛ توحيد خالص لله وحده، وعدل، وإنصاف وطاعة لله ولرسوله، وتحابب في الله، وتآخ، واعتزاز بالإسلام، وعزة، وكرامة، وهيبة في قلوب الأعداء، وقد سجل لهم القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [المنافقون:8].
عباد الله!
وهكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى.
إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى؛ إلا بعد أن أكمل الله الدين، والكامل لا يقبل الزيادة عادة، وإن نعمة الله على اتباع محمد بالإسلام قد تمت، ولذلك قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:8].
نزلت هذه الآية في حجة الوداع في يوم الجمعة بعرفة، وفي اليوم نفسه خطب النبي خطبة يوم عرفة المشهورة، جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب أصحابه: ((أنتم مسؤولون عني؛ فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت. فجعل يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم! اشهد، اللهم! اشهد، اللهم! اشهد))(1).
عباد الله!
ولم يعش النبي بعد حجة الوداع طويلاً، بل أخذ يحدث أصحابه وأتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى، بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض؛ إذ قال لهم:
((تركتكم على محجة بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك))، وقال:
((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي)).
فتركهم على هذا المنهج المصون، ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه، وحذرهم من الزيادة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد))(2)،
وقال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))(3).
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية، فى أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً شديداً، وهم رجال رباهم على المنهج، وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين المهديون؛ فحافظوا على المنهج وعلى وحدة الأمة، ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق؛ لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد، أو إلى ما يشابه ذلك.
في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، وفي خلافة علي رضي الله عنه خرجت الخوارج، وتشيعت،
ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وما تريدية، فقسمت بين المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق؛ تصديقاً لقوله : ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة، وهي الجماعة))(4).
وهكذا بدأت الجاهلية المعاصرة من جديد في صور شتى، وأخص من تلك الصور جاهلية التصوف؛ فقد ظهرت وانتشرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه، بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة، فلبسوا الصوف، وقاطعوا القطن؛ بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام، فنسبوا إلى الصوف، فقيل لهم: الصوفية، فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة).
عباد الله:‍
هكذا ظهرت جاهلية التصوف، ومن تلك المدينة انتشرت، ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل؛ لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول ؛ إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها، ويدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا؛ كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟‍فقال أحدهم: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبداً وقال آخر: وأنا أقوم الليل ولا أرقد، وقال آخر: وأنا أصوم ولا أفطر. فجاء رسول الله، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله؛ إنى لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني)) (5)
فأشعرهم النبي أن الأساس في العبادة الاتباع لا الابتداع.
عباد الله‍‍!
ومما ينبغي أن يعلم أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني
لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً؛ لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله؛ فنيتهم صالحة، وقصدهم حسن؛ إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هي الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده.
عباد الله!
ولعلنا عرفنا أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد، وهما أمران مقبولان في الإسلام، بل مرغوب فيهما، ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن، وهذا شأن كل بدعة؛
إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً
مقبولاً بل محبوباً.
عباد الله!
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في معرض حديثه عن الصوفية: ولم يطل الزمن حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة، وهذه المتصوفة المنتشرة فى العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة؛ كالحلاج الذي قتل أخيراً بزندقته، وابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، وغيرهم من مشايخ الصوفية.
وقد شوهت هذه الطائفة - الصوفية - جمال الدين، وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين، الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة ومسبحة طويلة، ويستسمنون كل ذي ورم، فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف التي دخلت على السذج، وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام.
عباد الله!
لا شك أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد ورد الوعيد في ذلك؛ فعن ابن مسعود؛ قال: قال رسول الله : ((أنا فرطكم على الحوض، وليختلجن رجال دوني، فأقول: يا رب! أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ إنهم غيروا وبدلوا. فيقول النبي : سحقاً سحقاً لمن غير وبدل))(6).
فهذه براءة من النبي لمن غير وبدل في دين الله ما لم يأذن به الله.
اللهم! اجعلنا متبعين لا مبتدعين، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، على سنة رسولك .
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه،
إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
إن خير الهدي هدي محمد ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله!
لقد كثرت البدع في زماننا هذا وانتشرت، وعلى سبيل المثال لا الحصر منها التزام كيفيات وهيئات معينة؛ كالذكر على هيئة الاجتماع بصوت واحد، والتزام عبادات معينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته، والاحتفال بيوم الإسراء والمعراج، وتخصيصه بعبادة معينة؛ علماً بأن تاريخه قد اختلف في تحديده، وحتى لو عرف تاريخه؛ فإن الله لم يميزه بعبادة مخصوصة.
عباد الله!
وهناك بدعة خطيرة تفعل في هذا الشهر - ربيع الأول -، تمس شخصية الرسول ، وهي بدعة الاحتفال بعيد مولده ، والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل، بل ولا في القرون المفضلة، حتى جاءت الدولة الفاطمية .والتي انتسبت إلى فاطمة ظلماً وعدواناً، بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي - وقيل: مجوسي -، وقد احتفل الفاطميون بأربعة موالد: مولد النبى ، وعلي بن أبي طالب وولاية الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.
عباد الله ‍
قسم العلماء الاجتماع الذي يكون في ربيع الأول، ويسمى باسم المولد، إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات؛ فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في (الفتاوى الكبرى) : أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية؛ كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم) إن هذا (أي: اتخاذ المولد عيداً) لم يفعله السلف، (مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه).
قال: (ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص).
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد المسماة بـ (المورد في الكلام على عمل المولد)؛ قال في النوع الخالي من المحرمات من المولد: (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، والمتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة؛ قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً إليه، وحقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين؛ فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً).
وأما القسم الثانى من عمل المولد، وهو المحتوي على المحرمات؛ فهذا منعه العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في فتوى له: (فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة؛ فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وقال الفاكهاني في "رسالته": "الثاني (أي: من نوعي عمل المولد) : أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم المال ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يحدث من ألم الحيف وقد قال العلماء: أخذ المال بالباطل كأخذه بالسيف، لاسيما إن أدى ذلك إلى شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات: إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفراد، وهن رافعات أصواتهن بالتطريب، غافلات عن قوله: إن ربك لبالمرصاد [الفجر:14]. وهذا لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، ولاسيما أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
وقال الفاكهاني: (وقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب. هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي - وهو ربيع الأول - هو بعينه الذي توفي فيه؛ فليس الفرح فيه بأولى من الحزن).
عباد الله! ‍
لا شك أن العواطف الكاذبة ودعوى حب الرسول هي التي حدت بأولئك الجهلة أن يبتدعوا ولا يتبعوا، وكيف تجتمع دعوى حب الرسول مع مخالفة أمره في النهي عن الإحداث في الدين، والضدان لا يجتمعان، وقد جعل الله ميزان محبته ودليلها اتباع رسول الله ؛ قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران:31].
__________
(1) 1 الحديث اخرجة الامام مالك بن انس رحمه الله في " الموطا) في ( القدر، رقم 3، باب النهى عن القول بالقدر)، بلاغا، بلغة ان رسول الله قال: ((تركت فيكم امرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))
(2) 3 الحديث اخرجه: البخارى ومسلم وابو داود من حديث عائشة رضى الله عنها .
(3) 2 الحديث اخرجه الترمذى وصححه ولكن بدل قوله: " عليكم " بـ "علية " وابن حبان والحاكم، وضعفه ابن القطان الفاسى المتوفى سنة (628هـ) لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو السلمى وقال شعيب الارنؤوط: " والية اميل "
(4) 4 هذا الحديث جزء من حديث اخرجة ابن ماجة رحمة الله في ( كتاب الفتن باب افتراق الامم ) وقال البوصيرى في "الزوائد" هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ،رواة الامام احمد في " مسنده ".
(5) 5 رواه البخارى .
(6) 6 الحديث اخرجه البخارى في ( الفتن) بلفظ مقارب، وكذا مسلم في ( الطهارة) بلفظ مقارب، وابن ماجة في (الزهد 4361) بلفظ مقارب ومالك رحمه الله في " الموطا" ( كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء، حديث رقم 28).
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 11:44 AM   #2
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الطلاق
-----------------------
فقه
الطلاق, النكاح
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - عقد النكاح وآثاره الشرعية والإجتماعية 2 - دعوة الإسلام لحفظ العلاقات الزوجية وإزالة كل ما يعكر صفوها 3 - كيفية فض الخلاف بين الزوجين 4 - الطلاق دواء عند إستعمال الداء 5 - صور مشينة متعلقة بالطلاق
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس!
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].
عباد الله!
اعلموا أن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها؛ فاعرفوا حدود الله وأحكامه، واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة.
ألا وإن مما أحكمه الله شرعاً وتنظيماً النكاح، الذي جعله الله صلة بين بني آدم، وسبباً للقربى بينهم، ورتب لعقده ونسخه أحكاماً معلومة وحدوداً مدونة؛ فهو عقد عظيم، يترتب عليه من الأحكام الشيء الكثير؛ النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات . . . وغيرها.
ألا وإن في النكاح فوائد عديدة :-منها: أنه سبب لغض البصر وحفظ الفرج عما حرم الله؛ كما قال : ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))(1).
- ومنها حصول الراحة النفسية والسكن والأنس بين الزوجين؛ قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها [الروم:21]. وقال تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها [الأعراف:189]. والسكن هو الأنس والطمأنينة.
- ومنها: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني، وتكثير عدد المسلمين.
ولهذه الفوائد وغيرها أمر الله به، ووعد بترتب الخير عليه؛ قال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور:32].
ورغب سبحانه بالإبقاء على الزوجية، ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولو مع كراهة أحدهما للآخر؛ قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكوهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً [النساء:19].
وبين الرسول ما جعلت عليه المرأة؛ ليكون الرجل خبيراً بحالها، فلا يطلب منها أكثر مما تطيق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن تركته؛ لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء))(2)، وفى رواية لمسلم: ((وكسرها طلاقها)).
وقد أرشد الله تعالى إلى وسائل لعلاج ما يحدث بين الزوجين، لو استخدمها كثير من الناس؛ لرأينا السكينة تسود حياتهم الزوجية، ولما شغلت المحاكم بالقضايا الزوجية.
فإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وعدم انقيادها لحقه؛ فقد أمره الله تعالى أن يصلح ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة:
قال تعالى: واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا [النساء:34].
أي: الزوجات اللاتي يحصل منهن عصيان لأزواجهن فيما يجب عليهن لهم، فذكروهن ما أوجب الله عليهن في كتابه من حسن العشرة للزوج، وما عليهن من الوعيد في مخالفة ذلك؛ فإن لم يجد فيهن الوعظ؛ فعاقبوهن بالهجر، وهو الإعراض عنهن في الفرش؛ لأن ذلك يشق عليهن، فيحملهن على الإنقياد لأزواجهن، والعودة إلى طاعتهم؛ فإن لم يجد في الزوجة الهجران؛ فإنها تعاقب بما هو أشد منه، وهو الضرب غير الشديد غير المبرح.
عباد الله!
كل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد خارجي؛ فإن أستمر الشقاق بين الزوجين؛ فقد أمر الله تعالى بالتدخل بينهما لإصلاحه؛ قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما [النساء:35]. فأمر سبحانه عند تطور الخلاف بتشكيل هيئة للنظر في إزالته، تتكون من عضوين، يتحليان بالإنصاف والعدل، أحدهما من أسرة الزوج، والثاني من أسرة الزوجة، ينظران في ملابسات الخلاف، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، وينصفان المعتدى عليه، ويسويان النزاع.
كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح واستمرار الزوجية فإن لم تجد هذه الإجراءات، وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين، بحيث ساد الخصام والنزاع، وأصبحت الحياة الزوجية جحيماً من المشاكل؛ فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق.
فالطلاق هو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله، يتخلص به المتضرر، وتتاح له الفرصة للحصول على بديل أحسن؛ كما قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً [النساء:130]. أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا؛ فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به.
عباد الله!
وإذا كان الزوج لا يرغب الزوجة ولا يريدها، وإنما يمانع من طلاقها من أجل أن تفتدي منه بمال؛ فقد حرم الله عليه هذا، وأمره بطلاقها؛ من غير أن يأخذ منها شيئاً؛ قال تعالى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [النساء:19]. أي: لا تضار أيها الزوج زوجتك في العشرة؛ لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه، أو حقاً من حقوقها عليك، على وجه القهر لها والإضرار، أو لتبذل لك مالاً تفدي به نفسها منك.
قال ابن عباس: (يعني: الرجل يكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها؛ لتفتدي به).
وأما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الرجل أو أبغضته ولم تقدر على معاشرته والقيام بحقوقه؛ فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها؛ قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة:229].
عباد الله!
إن الله جعل الطلاق حلا أخيراً بعدما تفشل كل الحلول لحسم النزاع؛ فهو كالدواء يستعمل عند الحاجة وفق طريقة معينة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة؛ فإنه يضر؛ كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله، ويندم فاعله حيث لا ينفع الندم.
ولهذا رسم الله سبحانه وتعالى للطلاق خطة حكيمة، تقلل من وقوعه، ويكون المتمشي على تلك الخطة الإلهية من الطلاق لا يتضرر به ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها من أخل بتلك الخطة.
فجعل للرجل أن يطلق امرأته عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها؛ فله ذلك، وإن انقضت عدتها قبل أن يراجعها؛ لم تحل له؛ إلا بعقد جديد.
قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة:229]. أي: إذا طلقتها واحدة أو اثنتين؛ فأنت مخير فيها، ما دامت في العدة؛ فلك أن تردها إليك؛ ناوياً الإصلاح والإحسان إليها، ولك أن تتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منك، وتطلق سراحها؛ محسناً إليها؛ ولا تظلمها من حقها شيئاً.
قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:1].
أي: طلقوهن وهن طاهرات من الحيض؛ من غير أن يحصل منكم جماع لهن في هذا الطهر.
فبين سبحانه في الآية الأولى العدد المشروع في الطلاق، وهو طلقة واحدة، وبين في الآية الثانية الوقت الذي يجوز فيه الطلاق، وهو الطهر الذى لم يجامع فيه.
فبان من هذا أن من يطلق زوجته ثلاثاً دفعة واحدة مخالف للشرع، وكذا من يطلقها وهي حائض أو في طهر جامع فيه.
عباد الله!
ولو أن كل واحد تقيد بما ورد في الشرع من الحلول لما يحصل في العشرة الزوجية، وتقيد بما ورد في حالة الطلاق؛ لما رأينا أناساً استحلوا الطلاق من غير علاج قبله، وطلقوا حتى حرمت عليهم زوجاتهم إلا بعد أن تنكح المرأة زوجاً غيره، فعضوا أصابع الندم، وبدؤوا يتنقلون بين أبواب العلماء بحثاً عن فرج.
قال علي رضي الله عنه: " لا يطلق أحد للسنة فيندم " .
وقال أيضاً: " لو أن الناس أخذوا بما أمر الله في الطلاق, مايتبع رجل نفسه امرأة أبدا ".
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن خير الهدي هدي محمد ، ومن اقتدى؛ فقد اهتدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الطمأنينة والراحة مقرونة بطاعة الله، وأن الشقاء والشقاق والنزاع يكون بقدر البعد عن طاعة الله، وما ساد الشقاق الأخلاقي في حياة بعض الناس؛ إلا بسبب بعدهم عن طاعة الله والاستهانة بأحكام الشرع.
وأقرب مثال على ذلك هو الطلاق؛ فبعض الناس يتلاعبون في الطلاق:
فبعضهم يطلق عند أدنى سبب، وعند أول إشكال بينه وبين زوجته، فيضر بنفسه وبزوجته .
والبعض الآخر يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق تفكهاً من غير مبرر للطلاق عادة له، و مثل هذا ينبغي أن يعلم أن فعله هذا مكروه.
ومن الناس من يجري الطلاق على لسانه بسهولة، وبأدنى مناسبة، فيستعمله بدلاً من اليمين، إذا أراد أن يحلف على نفسه أو على غيره؛ قال: علي الطلاق! فإذا انتقضت يمينه؛ وقع في الحرج، وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من هذا الطلاق الذي حلفه.
وبعض الناس يتلفظ بالطلاق هازلاً، وما علم أن الرسول قال: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة))(3).
وبعض الناس يأخذ فيه الشيطان مأخذه عند الغضب، فيبت زوجته بالطلاق بالثلاث دفعة واحدة.
وكل هذا بسبب تلاعب الشيطان ببني آدم ليوقعهم في الحرج.
عباد الله!
وبعض من لا يخاف الله حينما يقع نظره على امرأة؛ يغريه الشيطان بها، ويتعلق بها قلبه، وهي متزوجة، فيحاول إفسادها على زوجها؛ ليطلقها زوجها، ومن هذه حالته؛ فإن عليه إثم عظيم، والنبي تبرأ منه فقال: " ليس منا من خبب امرأة على زوجها ". خبب؛ أي: أفسد.
وبعض النساء حينما تريد أن تتزوج، ومع من يريد أن يتزوج بها أخرى، تطلب طلاق ضرتها، والنبي قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح؛ فإن لها ما قدر لها))(4).
وبعض النساء أيضاً تطلب من زوجها الطلاق من غير بأس، والنبي قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ تحرم عليها رائحة الجنة))(5).
عباد الله!
وبعض الناس حينما يطلق زوجته نتيجة شقاق حدث بينهما كرهها على أثره لا يقف كرهه عند هذا الحد، بل إن كرهها قد يصل إلى حد من لا ذنب لهم، وهم أولاده وبناته منها، فنجد أن البعض يترك أولاده عند أمهم، لا يبالي بهم في أي واد هلكوا، وكأنهم ليسوا بأولاده، وأولاده من زوجته الأخرى قد احتضنهم وأعطاهم ما يريدون، وأولاده من تلك المرأة المطلقة يعيشون الكفاف، بل ربما أنهم يتكففون الناس، أجحف بحقهم والدهم، فحرمهم التربية والرعاية والعناية والحنان والنفقة؛ فبعض الأولاد والبنات ممن طلقت أمهاتهم أسوأ حالا من الأيتام، وكم من رجل أخذته العزة بالإثم، فلم يتول عقد ابنته؛ لأنه طلق أمها، فكان من ظلم أبيهم لهم أن حرمهم الرفق، فشردوا، وضاعوا، وتخلفوا دراسياً؛ نتيجة لسوء الأحوال المادية لديهم، وما علم ذلك الأب الجائر أنهم أولاده شاء أم أبى، كم من ثري أولاده يتكففون الناس! كم من خير قد ضاع أولاده واحتوشتهم رفقاء السوء، ومن ثم إذا وقع مالا تحمد عقباه وأودع الأولاد السجون؛ قال: هذا عمل أمهم !! ولكنه في الحقيقة نتيجة إهماله هو!!
ألا فليتق الله من هذا عمله، وليقم على تربية أولاده بنفسه، وليعدل بينهم كما يحب منهم أن يبروه.

__________
(1) 1الحديث -خرجه : البخارية ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي برواية نحو هذه الرواية . من حديث عثمان بن عفان مع عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما وروى البخاري ومسلم هذه الرواية بدا من قوله .
(2) 2 اخرجه البخارية في ( كتاب الانبياء ، باب 1) ، و (كتاب النكاح ، باب 10) ، وابن ماجة في في ( كتاب الطهارة 77).
(3) 3رواه ابو دواد (رقم 219 في الطلاق ، باب في الطلاق على الهزل ) من حديث ابى هريرة وكذا الترمذى ( رقم 184 في الطلاق باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق ) وقال الشيخ عبد القادر " في اسناده عبد الرحمن بن حبيب بن ادرك وهو لين الحديث ، ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها " ولذلك قال الترمذى " هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبى وغيرها .
رواه ابن ماجة ( كتاب الطلاق ، باب 3) والامام مالك في " الموطأ " ( كتاب النكاح ) رواة ابو داود ( برقم 2175 في الطلاق باب فيمن خيب امرأة عن زوجها ) و( رقم 5170 في الادب باب فيمن خيب مملوكا على مولاة ) واسناده صحيح .
(4) 4 رواه البخارى في ( الشروط باب 8 ، وفى القدر باب 4 ، والنكاح 53 البيوع ( 58 ) وكذا مسلم في ( النكاح باب 38،39،51،52) وراه في ( البيوع ، باب 12 ) رواه ابو دواد في ( الطلاق ، باب 2) والترمذى ( القدر ، باب 7) واحنمد بن حنبل ( رقم 328 ، 273،311،294،410،420،487،489،50 8،512،516).
(5) 5 احمد بن حنبل في " المسند" ( 5/ 277،283) .
(1/2)
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-10-2017 , 11:44 AM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الطلاق
-----------------------
فقه
الطلاق, النكاح
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - عقد النكاح وآثاره الشرعية والإجتماعية 2 - دعوة الإسلام لحفظ العلاقات الزوجية وإزالة كل ما يعكر صفوها 3 - كيفية فض الخلاف بين الزوجين 4 - الطلاق دواء عند إستعمال الداء 5 - صور مشينة متعلقة بالطلاق
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس!
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].
عباد الله!
اعلموا أن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها؛ فاعرفوا حدود الله وأحكامه، واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة.
ألا وإن مما أحكمه الله شرعاً وتنظيماً النكاح، الذي جعله الله صلة بين بني آدم، وسبباً للقربى بينهم، ورتب لعقده ونسخه أحكاماً معلومة وحدوداً مدونة؛ فهو عقد عظيم، يترتب عليه من الأحكام الشيء الكثير؛ النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات . . . وغيرها.
ألا وإن في النكاح فوائد عديدة :-منها: أنه سبب لغض البصر وحفظ الفرج عما حرم الله؛ كما قال : ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))(1).
- ومنها حصول الراحة النفسية والسكن والأنس بين الزوجين؛ قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها [الروم:21]. وقال تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها [الأعراف:189]. والسكن هو الأنس والطمأنينة.
- ومنها: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني، وتكثير عدد المسلمين.
ولهذه الفوائد وغيرها أمر الله به، ووعد بترتب الخير عليه؛ قال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور:32].
ورغب سبحانه بالإبقاء على الزوجية، ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولو مع كراهة أحدهما للآخر؛ قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكوهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً [النساء:19].
وبين الرسول ما جعلت عليه المرأة؛ ليكون الرجل خبيراً بحالها، فلا يطلب منها أكثر مما تطيق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن تركته؛ لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء))(2)، وفى رواية لمسلم: ((وكسرها طلاقها)).
وقد أرشد الله تعالى إلى وسائل لعلاج ما يحدث بين الزوجين، لو استخدمها كثير من الناس؛ لرأينا السكينة تسود حياتهم الزوجية، ولما شغلت المحاكم بالقضايا الزوجية.
فإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وعدم انقيادها لحقه؛ فقد أمره الله تعالى أن يصلح ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة:
قال تعالى: واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا [النساء:34].
أي: الزوجات اللاتي يحصل منهن عصيان لأزواجهن فيما يجب عليهن لهم، فذكروهن ما أوجب الله عليهن في كتابه من حسن العشرة للزوج، وما عليهن من الوعيد في مخالفة ذلك؛ فإن لم يجد فيهن الوعظ؛ فعاقبوهن بالهجر، وهو الإعراض عنهن في الفرش؛ لأن ذلك يشق عليهن، فيحملهن على الإنقياد لأزواجهن، والعودة إلى طاعتهم؛ فإن لم يجد في الزوجة الهجران؛ فإنها تعاقب بما هو أشد منه، وهو الضرب غير الشديد غير المبرح.
عباد الله!
كل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد خارجي؛ فإن أستمر الشقاق بين الزوجين؛ فقد أمر الله تعالى بالتدخل بينهما لإصلاحه؛ قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما [النساء:35]. فأمر سبحانه عند تطور الخلاف بتشكيل هيئة للنظر في إزالته، تتكون من عضوين، يتحليان بالإنصاف والعدل، أحدهما من أسرة الزوج، والثاني من أسرة الزوجة، ينظران في ملابسات الخلاف، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، وينصفان المعتدى عليه، ويسويان النزاع.
كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح واستمرار الزوجية فإن لم تجد هذه الإجراءات، وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين، بحيث ساد الخصام والنزاع، وأصبحت الحياة الزوجية جحيماً من المشاكل؛ فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق.
فالطلاق هو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله، يتخلص به المتضرر، وتتاح له الفرصة للحصول على بديل أحسن؛ كما قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً [النساء:130]. أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا؛ فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به.
عباد الله!
وإذا كان الزوج لا يرغب الزوجة ولا يريدها، وإنما يمانع من طلاقها من أجل أن تفتدي منه بمال؛ فقد حرم الله عليه هذا، وأمره بطلاقها؛ من غير أن يأخذ منها شيئاً؛ قال تعالى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [النساء:19]. أي: لا تضار أيها الزوج زوجتك في العشرة؛ لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه، أو حقاً من حقوقها عليك، على وجه القهر لها والإضرار، أو لتبذل لك مالاً تفدي به نفسها منك.
قال ابن عباس: (يعني: الرجل يكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها؛ لتفتدي به).
وأما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الرجل أو أبغضته ولم تقدر على معاشرته والقيام بحقوقه؛ فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها؛ قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة:229].
عباد الله!
إن الله جعل الطلاق حلا أخيراً بعدما تفشل كل الحلول لحسم النزاع؛ فهو كالدواء يستعمل عند الحاجة وفق طريقة معينة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة؛ فإنه يضر؛ كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله، ويندم فاعله حيث لا ينفع الندم.
ولهذا رسم الله سبحانه وتعالى للطلاق خطة حكيمة، تقلل من وقوعه، ويكون المتمشي على تلك الخطة الإلهية من الطلاق لا يتضرر به ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها من أخل بتلك الخطة.
فجعل للرجل أن يطلق امرأته عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها؛ فله ذلك، وإن انقضت عدتها قبل أن يراجعها؛ لم تحل له؛ إلا بعقد جديد.
قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة:229]. أي: إذا طلقتها واحدة أو اثنتين؛ فأنت مخير فيها، ما دامت في العدة؛ فلك أن تردها إليك؛ ناوياً الإصلاح والإحسان إليها، ولك أن تتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منك، وتطلق سراحها؛ محسناً إليها؛ ولا تظلمها من حقها شيئاً.
قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:1].
أي: طلقوهن وهن طاهرات من الحيض؛ من غير أن يحصل منكم جماع لهن في هذا الطهر.
فبين سبحانه في الآية الأولى العدد المشروع في الطلاق، وهو طلقة واحدة، وبين في الآية الثانية الوقت الذي يجوز فيه الطلاق، وهو الطهر الذى لم يجامع فيه.
فبان من هذا أن من يطلق زوجته ثلاثاً دفعة واحدة مخالف للشرع، وكذا من يطلقها وهي حائض أو في طهر جامع فيه.
عباد الله!
ولو أن كل واحد تقيد بما ورد في الشرع من الحلول لما يحصل في العشرة الزوجية، وتقيد بما ورد في حالة الطلاق؛ لما رأينا أناساً استحلوا الطلاق من غير علاج قبله، وطلقوا حتى حرمت عليهم زوجاتهم إلا بعد أن تنكح المرأة زوجاً غيره، فعضوا أصابع الندم، وبدؤوا يتنقلون بين أبواب العلماء بحثاً عن فرج.
قال علي رضي الله عنه: " لا يطلق أحد للسنة فيندم " .
وقال أيضاً: " لو أن الناس أخذوا بما أمر الله في الطلاق, مايتبع رجل نفسه امرأة أبدا ".
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن خير الهدي هدي محمد ، ومن اقتدى؛ فقد اهتدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الطمأنينة والراحة مقرونة بطاعة الله، وأن الشقاء والشقاق والنزاع يكون بقدر البعد عن طاعة الله، وما ساد الشقاق الأخلاقي في حياة بعض الناس؛ إلا بسبب بعدهم عن طاعة الله والاستهانة بأحكام الشرع.
وأقرب مثال على ذلك هو الطلاق؛ فبعض الناس يتلاعبون في الطلاق:
فبعضهم يطلق عند أدنى سبب، وعند أول إشكال بينه وبين زوجته، فيضر بنفسه وبزوجته .
والبعض الآخر يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق تفكهاً من غير مبرر للطلاق عادة له، و مثل هذا ينبغي أن يعلم أن فعله هذا مكروه.
ومن الناس من يجري الطلاق على لسانه بسهولة، وبأدنى مناسبة، فيستعمله بدلاً من اليمين، إذا أراد أن يحلف على نفسه أو على غيره؛ قال: علي الطلاق! فإذا انتقضت يمينه؛ وقع في الحرج، وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من هذا الطلاق الذي حلفه.
وبعض الناس يتلفظ بالطلاق هازلاً، وما علم أن الرسول قال: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة))(3).
وبعض الناس يأخذ فيه الشيطان مأخذه عند الغضب، فيبت زوجته بالطلاق بالثلاث دفعة واحدة.
وكل هذا بسبب تلاعب الشيطان ببني آدم ليوقعهم في الحرج.
عباد الله!
وبعض من لا يخاف الله حينما يقع نظره على امرأة؛ يغريه الشيطان بها، ويتعلق بها قلبه، وهي متزوجة، فيحاول إفسادها على زوجها؛ ليطلقها زوجها، ومن هذه حالته؛ فإن عليه إثم عظيم، والنبي تبرأ منه فقال: " ليس منا من خبب امرأة على زوجها ". خبب؛ أي: أفسد.
وبعض النساء حينما تريد أن تتزوج، ومع من يريد أن يتزوج بها أخرى، تطلب طلاق ضرتها، والنبي قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح؛ فإن لها ما قدر لها))(4).
وبعض النساء أيضاً تطلب من زوجها الطلاق من غير بأس، والنبي قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ تحرم عليها رائحة الجنة))(5).
عباد الله!
وبعض الناس حينما يطلق زوجته نتيجة شقاق حدث بينهما كرهها على أثره لا يقف كرهه عند هذا الحد، بل إن كرهها قد يصل إلى حد من لا ذنب لهم، وهم أولاده وبناته منها، فنجد أن البعض يترك أولاده عند أمهم، لا يبالي بهم في أي واد هلكوا، وكأنهم ليسوا بأولاده، وأولاده من زوجته الأخرى قد احتضنهم وأعطاهم ما يريدون، وأولاده من تلك المرأة المطلقة يعيشون الكفاف، بل ربما أنهم يتكففون الناس، أجحف بحقهم والدهم، فحرمهم التربية والرعاية والعناية والحنان والنفقة؛ فبعض الأولاد والبنات ممن طلقت أمهاتهم أسوأ حالا من الأيتام، وكم من رجل أخذته العزة بالإثم، فلم يتول عقد ابنته؛ لأنه طلق أمها، فكان من ظلم أبيهم لهم أن حرمهم الرفق، فشردوا، وضاعوا، وتخلفوا دراسياً؛ نتيجة لسوء الأحوال المادية لديهم، وما علم ذلك الأب الجائر أنهم أولاده شاء أم أبى، كم من ثري أولاده يتكففون الناس! كم من خير قد ضاع أولاده واحتوشتهم رفقاء السوء، ومن ثم إذا وقع مالا تحمد عقباه وأودع الأولاد السجون؛ قال: هذا عمل أمهم !! ولكنه في الحقيقة نتيجة إهماله هو!!
ألا فليتق الله من هذا عمله، وليقم على تربية أولاده بنفسه، وليعدل بينهم كما يحب منهم أن يبروه.

__________
(1) 1الحديث -خرجه : البخارية ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي برواية نحو هذه الرواية . من حديث عثمان بن عفان مع عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما وروى البخاري ومسلم هذه الرواية بدا من قوله .
(2) 2 اخرجه البخارية في ( كتاب الانبياء ، باب 1) ، و (كتاب النكاح ، باب 10) ، وابن ماجة في في ( كتاب الطهارة 77).
(3) 3رواه ابو دواد (رقم 219 في الطلاق ، باب في الطلاق على الهزل ) من حديث ابى هريرة وكذا الترمذى ( رقم 184 في الطلاق باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق ) وقال الشيخ عبد القادر " في اسناده عبد الرحمن بن حبيب بن ادرك وهو لين الحديث ، ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها " ولذلك قال الترمذى " هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبى وغيرها .
رواه ابن ماجة ( كتاب الطلاق ، باب 3) والامام مالك في " الموطأ " ( كتاب النكاح ) رواة ابو داود ( برقم 2175 في الطلاق باب فيمن خيب امرأة عن زوجها ) و( رقم 5170 في الادب باب فيمن خيب مملوكا على مولاة ) واسناده صحيح .
(4) 4 رواه البخارى في ( الشروط باب 8 ، وفى القدر باب 4 ، والنكاح 53 البيوع ( 58 ) وكذا مسلم في ( النكاح باب 38،39،51،52) وراه في ( البيوع ، باب 12 ) رواه ابو دواد في ( الطلاق ، باب 2) والترمذى ( القدر ، باب 7) واحنمد بن حنبل ( رقم 328 ، 273،311،294،410،420،487،489،50 8،512،516).
(5) 5 احمد بن حنبل في " المسند" ( 5/ 277،283) .
(1/2)
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 11:46 AM   #3
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

العلمانية وخطرها
-----------------------
أديان وفرق ومذاهب
مذاهب فكرية معاصرة
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - ضرورة تتبع طرق الغي والضلال وكشف عوارها 2 - معنى العلمانية 3 - الحرب بين الإسلام وجاهلية قريش 4 - بعض صور العلمانية في مجتمعنا 5 - تلبيس العلمانيين على الناس بإخفاء حقيقة موقفهم في الدين
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
لقد أنزل الله الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ففتح به أعينا عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وبدد بدعوته ظلمات الجهل والحماقة، وأسقط الأغلال التي كانت على العقول، حتى أمسى شرك الجاهلية وضلالها أسطورة غابرة، وأصبحت عبادة الأصنام في ميزان المسلم إفكاً قديماً، ويعجب المسلم فيما يعجب من سخف المشركين، وصدق الله تعالى إذ يقول: من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً [الكهف:17].
عباد الله!
غير أنه يجب أن نذكر دائماً أن الابتلاء مستمر، ومادة الشر باقية، وشياطين الإنس والجن مستمرون في ترويج الضلال؛ حتى زخرفوه بكل صلة، وروجوا له بكل لسان وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً [الأنعام:112].
ومن الواجب أن نتتبع طرق الغي؛ بالتحذير منها، وكشف مراميها وأبعادها، وسد السبل على دعاتها، حتى يكون المسلمون على بينة من ربهم، وبصيرة من سبيلهم، ولا يضرهم انتحال المبطلين أو كيد الحاقدين.
ولقد شاعت في دنيا المسلمين اليوم فلسفات وأنظمة خدعت الكثيرين منا ببريقها، وانتشرت شعارات ومصطلحات أسرت عقول البعض واستحوذت على الأفكار، أرى ذلك كله داء دوي ونار لو قدر لها أن تنتشر؛ لم تأت على شيء إلا جعلته كالرميم.
ومن تلك الأفكار الفكر الصليبي اللاديني، وهو ما يسمى بالعلمانية، التى تسربت إلى مجتمعات المسلمين.
ولعل أحد التحديات الخطيرة التي تواجه أهل السنة والجماعة في هذا العصر هي إسقاط اللافتات الزائفة، وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبسة، التي تتخفى وراءها العلمانية، التي تبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة.
لذا؛ فإني سأميط اللثام عن وجه هذه النحلة الضالة المضلة:
فالعلمانية مدلولها الصحيح هو إقامة الحياة على غير دين؛ سواء بالنسبة للأمة أو للفرد.
إن هذه العلمانية لهي أكبر نقيض للتوحيد الذي هو أعظم حقيقة في التصور الإسلامي.
عباد الله!
قال ابن تيميه في "رسالة العبودية": (إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله وكل عبودية لغير الله، كبرت أو صغرت، هي في نهايتها عبادة للشيطان).
قال تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [يس:60-61]. يشمل ذلك العرب الذين قال الله فيهم: إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً [النساء:117]. ويشمل كذلك كل عبادة لغير الله على مدار التاريخ.
ولقد تغيرت بعض العبادة؛ فلم يعد هناك تلك الأوثان التي كان العرب في شركهم يعبدونها، ولكن عبادة الشيطان ذاتها لم تتغير، وحلت محل الأوثان القديمة أوثان أخرى؛ كالحزب، والقومية، والعلمانية، والحرية الشخصية، والجنس وغيرها. وعشرات الأوثان الجديدة؛ إنها عبادة الشيطان والطاغوت، وهذا مناف لشهادة أن لا إله إلا الله؛ فمعنى (لا إله إلا الله): الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
وبناء على هذا يمكن أن نعرف حكم الإسلام في العلمانية، فنقول: إن العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر، يتنافى ويتعارض تماماً مع (لا إله إلا الله) من ناحتين أساسيتين متلازمتين:
أولا: من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل الله.
وثانياً: كونها شركاً في عبادة الله.
عباد الله!
إن العلمانية تعني بداهة: الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعة الله، وقبول الحكم والتشريع والطاعة والاتباع من الطواغيت من دون الله؛ فهذا معنى قيام الحياة على غير دين.
قال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة:44].
عباد الله!
والجاهلية أنواع علينا أن نعلمها:
فبعض الجاهلية يتمثل في الإلحاد بالله سبحانه وتعالى، وإنكار وجوده؛ فهي جاهلية اعتقاد وتصور؛ كجاهلية الشيوعيين.
وبعضها يتمثل في اعتراف مشوه بوجود الله سبحانه، وانحراف في الشعائر التعبدية، وهي جاهلية الاتباع والطاعة؛ كجاهلية اليهود و النصارى.
وبعضها يتمثل في اعتراف بوجود الله سبحانه، وأداء للشعائر التعبدية، مع انحرف خطير في تصور دلالة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومع شرك كامل في الاتباع والطاعة، وذلك كجاهلية من يسمون أنفسهم مسلمين من العلمانيين، ويظنون أنهم أسلموا واكتسبوا صفة الإسلام وحققوه بمجرد نطقهم بالشهادتين وأدائهم للشعائر التعبدية، وكلها جاهلية.
عباد الله!
والعلمانية تجعل العقيدة والشعائر لله وفق أمره، وتجعل الشريعة والتعامل مع غير الله وفق أمر غيره، وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله؛ لأن أهل الجاهلية الأولى لم ينكروا وجود الله؛ قال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [لقمان:25]. وكذلك لدى أصحاب الجاهلية الأولى بعض الشعائر التعبدية؛ قال تعالى : وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والأنعام نصيباً [الأنعام:136].
عباد الله!
ولكن مع ذلك بماذا حكم الله على هذا المجتمع؟!
لقد حكم عليه بأن ذلك كفر وجاهلية، وعد تلك الأمور جميعها صفراً في ميزان الإسلام.
ولذلك نشبت المعركة الطويلة بينهم وبين رسول الله ، واشتد النزاع بمعركة شرسة ونزاع حاد، حتى إن السيف كان الحكم الأخير، موضوع هذه المعركة العنيفة الطويلة لم يكن سوى كلمة واحدة، هي كلمة لا إله إلا الله، كلمة يصر عليها النبي إلى أقصى حد، وترفضها الجاهلية إلى أبعد حد؛ لأنه منذ اللحظة الأولى، حين دعاهم النبي إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ كان الجواب الفوري: "أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب" فالقضية واضحة في أذهانهم أن الالتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا الله من معبوداتهم وطواغيتهم المختلفة، طاغوت الأوثان، وطاغوت الزعامة، وطاغوت القبيلة، وطاغوت الكهانة، وطاغوت التقاليد، والاستسلام الكامل لله، ورد الأمر والحكم، جليله وحقيره، كبيره وصغيره، إلى الله وحده لا شريك له.
عباد الله!
وكذلك؛ فإن بيننا اليوم ممن يقولون: إنهم مسلمون من يستنكرون وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات المادية!!
وبيننا اليوم حاصلون على الشهادات العليا من بعض جامعات العالم يتساءلون أولاً في استنكار: ما للإسلام وسلوكنا الاجتماعي؟! وما للإسلام واختلاط النساء مع الرجال على الشواطئ والمنتزهات؟! وما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟! وما للإسلام والمرأة وقيادتها للسيارة واختلاطها بالرجال وحريتها الشخصية في سفرها بدون محرم وتصرفها في شؤونها؟! وهذه دعوى إلحادية؛ لأنها رد لما جاء في كتاب الله من قوامة الرجل على المرأة.
وهناك من يتساءل: ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل سواء بالزنى أو غيره، عياذاً بالله؟!
وما للإسلام وهذا الذي يفعله المتحضرون؟! فأي فرق بين هؤلاء وبين سؤال أهل الكفر في زمن نبي الله شعيب: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا [هود:87].
وهم يتساءلون ثانياً، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد، ويقولون: ما للدين والمعاملات الربوية؟! وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي؟! وما للدين والسياسة والحكم
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-10-2017 , 11:46 AM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

العلمانية وخطرها
-----------------------
أديان وفرق ومذاهب
مذاهب فكرية معاصرة
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - ضرورة تتبع طرق الغي والضلال وكشف عوارها 2 - معنى العلمانية 3 - الحرب بين الإسلام وجاهلية قريش 4 - بعض صور العلمانية في مجتمعنا 5 - تلبيس العلمانيين على الناس بإخفاء حقيقة موقفهم في الدين
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
لقد أنزل الله الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ففتح به أعينا عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وبدد بدعوته ظلمات الجهل والحماقة، وأسقط الأغلال التي كانت على العقول، حتى أمسى شرك الجاهلية وضلالها أسطورة غابرة، وأصبحت عبادة الأصنام في ميزان المسلم إفكاً قديماً، ويعجب المسلم فيما يعجب من سخف المشركين، وصدق الله تعالى إذ يقول: من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً [الكهف:17].
عباد الله!
غير أنه يجب أن نذكر دائماً أن الابتلاء مستمر، ومادة الشر باقية، وشياطين الإنس والجن مستمرون في ترويج الضلال؛ حتى زخرفوه بكل صلة، وروجوا له بكل لسان وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً [الأنعام:112].
ومن الواجب أن نتتبع طرق الغي؛ بالتحذير منها، وكشف مراميها وأبعادها، وسد السبل على دعاتها، حتى يكون المسلمون على بينة من ربهم، وبصيرة من سبيلهم، ولا يضرهم انتحال المبطلين أو كيد الحاقدين.
ولقد شاعت في دنيا المسلمين اليوم فلسفات وأنظمة خدعت الكثيرين منا ببريقها، وانتشرت شعارات ومصطلحات أسرت عقول البعض واستحوذت على الأفكار، أرى ذلك كله داء دوي ونار لو قدر لها أن تنتشر؛ لم تأت على شيء إلا جعلته كالرميم.
ومن تلك الأفكار الفكر الصليبي اللاديني، وهو ما يسمى بالعلمانية، التى تسربت إلى مجتمعات المسلمين.
ولعل أحد التحديات الخطيرة التي تواجه أهل السنة والجماعة في هذا العصر هي إسقاط اللافتات الزائفة، وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبسة، التي تتخفى وراءها العلمانية، التي تبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة.
لذا؛ فإني سأميط اللثام عن وجه هذه النحلة الضالة المضلة:
فالعلمانية مدلولها الصحيح هو إقامة الحياة على غير دين؛ سواء بالنسبة للأمة أو للفرد.
إن هذه العلمانية لهي أكبر نقيض للتوحيد الذي هو أعظم حقيقة في التصور الإسلامي.
عباد الله!
قال ابن تيميه في "رسالة العبودية": (إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية، ليصبح لا محالة في عبودية لغير الله وكل عبودية لغير الله، كبرت أو صغرت، هي في نهايتها عبادة للشيطان).
قال تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [يس:60-61]. يشمل ذلك العرب الذين قال الله فيهم: إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً [النساء:117]. ويشمل كذلك كل عبادة لغير الله على مدار التاريخ.
ولقد تغيرت بعض العبادة؛ فلم يعد هناك تلك الأوثان التي كان العرب في شركهم يعبدونها، ولكن عبادة الشيطان ذاتها لم تتغير، وحلت محل الأوثان القديمة أوثان أخرى؛ كالحزب، والقومية، والعلمانية، والحرية الشخصية، والجنس وغيرها. وعشرات الأوثان الجديدة؛ إنها عبادة الشيطان والطاغوت، وهذا مناف لشهادة أن لا إله إلا الله؛ فمعنى (لا إله إلا الله): الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
وبناء على هذا يمكن أن نعرف حكم الإسلام في العلمانية، فنقول: إن العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر، يتنافى ويتعارض تماماً مع (لا إله إلا الله) من ناحتين أساسيتين متلازمتين:
أولا: من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل الله.
وثانياً: كونها شركاً في عبادة الله.
عباد الله!
إن العلمانية تعني بداهة: الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعة الله، وقبول الحكم والتشريع والطاعة والاتباع من الطواغيت من دون الله؛ فهذا معنى قيام الحياة على غير دين.
قال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة:44].
عباد الله!
والجاهلية أنواع علينا أن نعلمها:
فبعض الجاهلية يتمثل في الإلحاد بالله سبحانه وتعالى، وإنكار وجوده؛ فهي جاهلية اعتقاد وتصور؛ كجاهلية الشيوعيين.
وبعضها يتمثل في اعتراف مشوه بوجود الله سبحانه، وانحراف في الشعائر التعبدية، وهي جاهلية الاتباع والطاعة؛ كجاهلية اليهود و النصارى.
وبعضها يتمثل في اعتراف بوجود الله سبحانه، وأداء للشعائر التعبدية، مع انحرف خطير في تصور دلالة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومع شرك كامل في الاتباع والطاعة، وذلك كجاهلية من يسمون أنفسهم مسلمين من العلمانيين، ويظنون أنهم أسلموا واكتسبوا صفة الإسلام وحققوه بمجرد نطقهم بالشهادتين وأدائهم للشعائر التعبدية، وكلها جاهلية.
عباد الله!
والعلمانية تجعل العقيدة والشعائر لله وفق أمره، وتجعل الشريعة والتعامل مع غير الله وفق أمر غيره، وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله؛ لأن أهل الجاهلية الأولى لم ينكروا وجود الله؛ قال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [لقمان:25]. وكذلك لدى أصحاب الجاهلية الأولى بعض الشعائر التعبدية؛ قال تعالى : وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والأنعام نصيباً [الأنعام:136].
عباد الله!
ولكن مع ذلك بماذا حكم الله على هذا المجتمع؟!
لقد حكم عليه بأن ذلك كفر وجاهلية، وعد تلك الأمور جميعها صفراً في ميزان الإسلام.
ولذلك نشبت المعركة الطويلة بينهم وبين رسول الله ، واشتد النزاع بمعركة شرسة ونزاع حاد، حتى إن السيف كان الحكم الأخير، موضوع هذه المعركة العنيفة الطويلة لم يكن سوى كلمة واحدة، هي كلمة لا إله إلا الله، كلمة يصر عليها النبي إلى أقصى حد، وترفضها الجاهلية إلى أبعد حد؛ لأنه منذ اللحظة الأولى، حين دعاهم النبي إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ كان الجواب الفوري: "أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب" فالقضية واضحة في أذهانهم أن الالتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا الله من معبوداتهم وطواغيتهم المختلفة، طاغوت الأوثان، وطاغوت الزعامة، وطاغوت القبيلة، وطاغوت الكهانة، وطاغوت التقاليد، والاستسلام الكامل لله، ورد الأمر والحكم، جليله وحقيره، كبيره وصغيره، إلى الله وحده لا شريك له.
عباد الله!
وكذلك؛ فإن بيننا اليوم ممن يقولون: إنهم مسلمون من يستنكرون وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات المادية!!
وبيننا اليوم حاصلون على الشهادات العليا من بعض جامعات العالم يتساءلون أولاً في استنكار: ما للإسلام وسلوكنا الاجتماعي؟! وما للإسلام واختلاط النساء مع الرجال على الشواطئ والمنتزهات؟! وما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟! وما للإسلام والمرأة وقيادتها للسيارة واختلاطها بالرجال وحريتها الشخصية في سفرها بدون محرم وتصرفها في شؤونها؟! وهذه دعوى إلحادية؛ لأنها رد لما جاء في كتاب الله من قوامة الرجل على المرأة.
وهناك من يتساءل: ما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأي سبيل سواء بالزنى أو غيره، عياذاً بالله؟!
وما للإسلام وهذا الذي يفعله المتحضرون؟! فأي فرق بين هؤلاء وبين سؤال أهل الكفر في زمن نبي الله شعيب: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا [هود:87].
وهم يتساءلون ثانياً، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد، ويقولون: ما للدين والمعاملات الربوية؟! وما للدين والمهارة في الغش والسرقة ما لم يقعا تحت طائلة القانون الوضعي؟! وما للدين والسياسة والحكم
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 12:02 PM   #4
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

ضابط الحركة المبطلة للصلاة الأصل في الصلاة الطمأنينة وعدم الحركة،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اسكنوا في الصلاة)، رواه مسلم.
قال النووي: الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلا لم يبطلها بلا خلاف،
هذا هو الضابط. (المجموع 193/4) قال
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-10-2017 , 12:02 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

ضابط الحركة المبطلة للصلاة الأصل في الصلاة الطمأنينة وعدم الحركة،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اسكنوا في الصلاة)، رواه مسلم.
قال النووي: الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلا لم يبطلها بلا خلاف،
هذا هو الضابط. (المجموع 193/4) قال
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 12:45 PM   #5
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

آثار الذّنوب والمعاصي*::

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أمــا بعــد
عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه وراقبوه في السِّرِّ والعلن ولا تعصوه واعلموا أن الذنوب والمعاصي تظر في الحال وفي المآل وإن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها , وما في الدنيا والآخرة شر ودآء إلا وسببه الذنوب والمعاصي ،
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللّذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار اللآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه؟ ومالذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مرت عليه حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيمة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى قوم لوط ٍ حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً وأرسل عليهم حجارةً من سجيل؟ وما الذي أرسل على قوم شعيبٍ سحابة العذاب كالظلل فلما صارت فوق رؤوسهم أمطرت عليهم ناراً تلظّى ؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأساً شديداً فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرةً أخرى فأهلكوا ما قدروا عليه وتبّروا ما علو تتبيرا؟ وما الذي سلّط عليهم أنواع العقوبات مرةً بالقتل والسبيِ وخراب البلاد ومرةً بجور الملوك ومرةً بمسخهم قردةً وخنازير وآخر ذلك أقسم الربُّ تبارك وتعالى ليبعثنَّ عليهم من يسومهم ســـــــوء العذاب إلى يوم القيمة؟ وما الذي أهلك أقواماً كثيرةً جآءت أخبار هلاكهم في القرآن الكريم وفي سنة نـــبـــيـــِّـنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟
ما ذلك عباد الله إلا بسبب كفرهم وعصيانهم وعنادهم وتكبرهم عن طاعة الله وطاعة رسله الكرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,
"فاعتبروا يأولي الأبصار"
يقول عز وجل : " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا "
المعاصي ما حلَّت في ديار ألا أهلكتها ولا في قلوب إلا أعمتها ولا في أجساد إلا عذبتها ولا في أمة إلا أذلَّتها , فهي سببٌ لهوان العبد على الله "ومن يهن الله فماله من مكرم " , المعاصي تــزيل النِّعم وتُّحل النِّقم , فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلَّت به نقمةٌ ومصيبةٌ إلا بذنب "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير" والله لا يغيِّر نعمةً أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يغيِّر ما بنفسه فيُغيِّر طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسبابَ رضاه بأسبابِ سخطه فإذا غَـــيَّـــر غُــيِّـــر عليه جزآءاً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد "ذلك بأن الله لم يك مغيِّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"
المعاصي تورث الضيق في الحياة والقلق في المعيشة والاضطراب في الأذهان , كثير من الناس يشتكي ضيق الصدر أو يشتكي الوسواس أو الأمراض النفسيَّة , ثم يطلب القرَّاء والرُّقاة , فإذا سألته عن عبادته وجدته لا يعرف المسجد ولا المحافظة على الصلوات ولا الدعاء ولا الالتجاء إلى الله عز وجلَّ , إن أمراضك إن أمراضك وضيقك إنما بسبب بعدك عن الله عز وجل إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي , فتُــب إلى الله عز وجلَّ منها تجدِ الراحة والطمأنينة "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى " , صاحب المعاصي عباد الله ذليل حقير محروم قال ابن عباس رضي الله عنهما ( إن للسيئة سواداً في الوجه وظلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضةً في قلوب الخلق ) إذا تساهل واستمر ولم يرجــع انتــكس وارتــكس "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" , بالذنوب والمعاصي يُمنع المطر ويُحرم الناس من الغيث وتزداد الأسعار وتقل الــمُــؤَن وتكثر القلاقل وتعم الفتن وتنتشر الأمراض الفتَّاكة , عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ , لم تظهر الفاحشة في قوم قطٍّ حتى يعلنوا بها ؛ إلا فشــى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضَوْا , ولم ينقصوا المكيال والميزان ؛ إلا أُخذوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجور السلطان عليهم , ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا , ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ؛ إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كانوا في أيديهم , ومالم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحرَّوْا فيما أنزل الله ؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني..
المعاصي عباد الله من الأسباب الكبيرة لسقوط الدول وذهاب الأمن وتسلط العدو "وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" وأقبح من ذلك عباد الله المجاهرة بالمعاصي وإعلانها والاستهتار بها وبعقوبتها فهذا طغيان عظيم وهم متوعَّدون بعدم المغفرة من الله عز وجل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كلُّ أُّمتـــي معافـــى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان فعلت البارحة كذا كذا وقد بات الله عز وجل يستره ويصبح يكشف ستر الله عنه ) متفق عليه
فاحذروا عباد الله الذنوب والمعاصي وراجعوا ربكم وتوبوا إليه فهو الذي يغفر الذنوب جميعاً "قل يـا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تفنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد : عباد الله إن ما نرى مما يحصل بالمسلمين إنما سببه هو الابتعاد عن الله وعن دينه وعن التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من ترك الدين يسلط الله عليه ذلّاً لا ينزعه عنه حتى يرجع إلى دينه , إن النصر الحقيقي لا يكون ألا بنصر الله ونصر الله هو طاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه وما يغضبه "ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" كيف يريد المسلمون النصر وهم بعيدون عن ربهم كيف يريدون النصر وهم في المعاصي والآثام غارقون كيف يريدون العزة وهم يطلبونها من غير الله ومن غير الطريقة التي أمرهم بها ربهم كيف يريدون العزة وهم يحتفلون بأعياد النصارى كل حين مرة برأس السنة ومرة بعيد الحب ومرة بأعياد أخرى فيها التشبه بالكفار وكلما ذهبت إلى أسواق المسلمين وجدت البضائع تذكرك بأعياد النصارى وتذكرك بالكفر بالله ثم بعد ذلك يريدون العزة ويريدون النصر إن المقاومة الحقيقية هي مقاومة الشرك بالله عز وجل بجميع صوره ومقاومة الفواحش والمعاصي مقاومة الزنا والفجور المنتشر في تلك البلاد مقاومة الخمر ومن يقدسها مقاومة سب الصحابة والدِّين مقاومة العقائد الضالة والفرق المنحرفة فإذا تحققت هذه المقاومة صعب على العدوِّ أن يهزمنا مع إعداد العدة وتهيئة النفوس بالتوحيد أما إذا ضعفت هذه المقاومة وانتشر الكفر بأنواعه والفجور والفواحش والبدع والزنا والخمر ولا نكير بل وكأنها لا تحتاج إلى مقاومة فهذا يسهل على العدو الدخول والتسلط وتغير النعمة إلا نقم وتغير الأمن والأمان إلى فتن وبلاء فالعزة والتمكين عباد الله لا تكون إلا بالتمسك بالدين "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" والعزة لا تكون إلا لمن أطاع الله "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون"
اللهم أرشدنا لطاعتك ووفقنا لمرضاتك وأعنا على ذكرك وشكرك يا رب العلمين اللهم أعز دينك وأعلي كلمتك وانصر عبادك الموحدين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم اغفر لنا ولوالدينا يا رب العلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-10-2017 , 12:45 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

آثار الذّنوب والمعاصي*::

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أمــا بعــد
عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه وراقبوه في السِّرِّ والعلن ولا تعصوه واعلموا أن الذنوب والمعاصي تظر في الحال وفي المآل وإن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها , وما في الدنيا والآخرة شر ودآء إلا وسببه الذنوب والمعاصي ،
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللّذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار اللآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه؟ ومالذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مرت عليه حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيمة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى قوم لوط ٍ حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً وأرسل عليهم حجارةً من سجيل؟ وما الذي أرسل على قوم شعيبٍ سحابة العذاب كالظلل فلما صارت فوق رؤوسهم أمطرت عليهم ناراً تلظّى ؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأساً شديداً فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرةً أخرى فأهلكوا ما قدروا عليه وتبّروا ما علو تتبيرا؟ وما الذي سلّط عليهم أنواع العقوبات مرةً بالقتل والسبيِ وخراب البلاد ومرةً بجور الملوك ومرةً بمسخهم قردةً وخنازير وآخر ذلك أقسم الربُّ تبارك وتعالى ليبعثنَّ عليهم من يسومهم ســـــــوء العذاب إلى يوم القيمة؟ وما الذي أهلك أقواماً كثيرةً جآءت أخبار هلاكهم في القرآن الكريم وفي سنة نـــبـــيـــِّـنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟
ما ذلك عباد الله إلا بسبب كفرهم وعصيانهم وعنادهم وتكبرهم عن طاعة الله وطاعة رسله الكرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,
"فاعتبروا يأولي الأبصار"
يقول عز وجل : " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا "
المعاصي ما حلَّت في ديار ألا أهلكتها ولا في قلوب إلا أعمتها ولا في أجساد إلا عذبتها ولا في أمة إلا أذلَّتها , فهي سببٌ لهوان العبد على الله "ومن يهن الله فماله من مكرم " , المعاصي تــزيل النِّعم وتُّحل النِّقم , فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلَّت به نقمةٌ ومصيبةٌ إلا بذنب "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير" والله لا يغيِّر نعمةً أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يغيِّر ما بنفسه فيُغيِّر طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسبابَ رضاه بأسبابِ سخطه فإذا غَـــيَّـــر غُــيِّـــر عليه جزآءاً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد "ذلك بأن الله لم يك مغيِّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم"
المعاصي تورث الضيق في الحياة والقلق في المعيشة والاضطراب في الأذهان , كثير من الناس يشتكي ضيق الصدر أو يشتكي الوسواس أو الأمراض النفسيَّة , ثم يطلب القرَّاء والرُّقاة , فإذا سألته عن عبادته وجدته لا يعرف المسجد ولا المحافظة على الصلوات ولا الدعاء ولا الالتجاء إلى الله عز وجلَّ , إن أمراضك إن أمراضك وضيقك إنما بسبب بعدك عن الله عز وجل إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي , فتُــب إلى الله عز وجلَّ منها تجدِ الراحة والطمأنينة "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى " , صاحب المعاصي عباد الله ذليل حقير محروم قال ابن عباس رضي الله عنهما ( إن للسيئة سواداً في الوجه وظلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضةً في قلوب الخلق ) إذا تساهل واستمر ولم يرجــع انتــكس وارتــكس "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" , بالذنوب والمعاصي يُمنع المطر ويُحرم الناس من الغيث وتزداد الأسعار وتقل الــمُــؤَن وتكثر القلاقل وتعم الفتن وتنتشر الأمراض الفتَّاكة , عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ , لم تظهر الفاحشة في قوم قطٍّ حتى يعلنوا بها ؛ إلا فشــى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضَوْا , ولم ينقصوا المكيال والميزان ؛ إلا أُخذوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجور السلطان عليهم , ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا , ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ؛ إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كانوا في أيديهم , ومالم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحرَّوْا فيما أنزل الله ؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني..
المعاصي عباد الله من الأسباب الكبيرة لسقوط الدول وذهاب الأمن وتسلط العدو "وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" وأقبح من ذلك عباد الله المجاهرة بالمعاصي وإعلانها والاستهتار بها وبعقوبتها فهذا طغيان عظيم وهم متوعَّدون بعدم المغفرة من الله عز وجل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كلُّ أُّمتـــي معافـــى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان فعلت البارحة كذا كذا وقد بات الله عز وجل يستره ويصبح يكشف ستر الله عنه ) متفق عليه
فاحذروا عباد الله الذنوب والمعاصي وراجعوا ربكم وتوبوا إليه فهو الذي يغفر الذنوب جميعاً "قل يـا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تفنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد : عباد الله إن ما نرى مما يحصل بالمسلمين إنما سببه هو الابتعاد عن الله وعن دينه وعن التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من ترك الدين يسلط الله عليه ذلّاً لا ينزعه عنه حتى يرجع إلى دينه , إن النصر الحقيقي لا يكون ألا بنصر الله ونصر الله هو طاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه وما يغضبه "ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" كيف يريد المسلمون النصر وهم بعيدون عن ربهم كيف يريدون النصر وهم في المعاصي والآثام غارقون كيف يريدون العزة وهم يطلبونها من غير الله ومن غير الطريقة التي أمرهم بها ربهم كيف يريدون العزة وهم يحتفلون بأعياد النصارى كل حين مرة برأس السنة ومرة بعيد الحب ومرة بأعياد أخرى فيها التشبه بالكفار وكلما ذهبت إلى أسواق المسلمين وجدت البضائع تذكرك بأعياد النصارى وتذكرك بالكفر بالله ثم بعد ذلك يريدون العزة ويريدون النصر إن المقاومة الحقيقية هي مقاومة الشرك بالله عز وجل بجميع صوره ومقاومة الفواحش والمعاصي مقاومة الزنا والفجور المنتشر في تلك البلاد مقاومة الخمر ومن يقدسها مقاومة سب الصحابة والدِّين مقاومة العقائد الضالة والفرق المنحرفة فإذا تحققت هذه المقاومة صعب على العدوِّ أن يهزمنا مع إعداد العدة وتهيئة النفوس بالتوحيد أما إذا ضعفت هذه المقاومة وانتشر الكفر بأنواعه والفجور والفواحش والبدع والزنا والخمر ولا نكير بل وكأنها لا تحتاج إلى مقاومة فهذا يسهل على العدو الدخول والتسلط وتغير النعمة إلا نقم وتغير الأمن والأمان إلى فتن وبلاء فالعزة والتمكين عباد الله لا تكون إلا بالتمسك بالدين "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" والعزة لا تكون إلا لمن أطاع الله "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون"
اللهم أرشدنا لطاعتك ووفقنا لمرضاتك وأعنا على ذكرك وشكرك يا رب العلمين اللهم أعز دينك وأعلي كلمتك وانصر عبادك الموحدين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم اغفر لنا ولوالدينا يا رب العلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 12:50 PM   #6
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الخصال المرجو لصاحبها الظلال يوم القيامة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فسأذكر بحول الله وقوّته الخصال المرجو لصاحبها الظلال يوم القيامة مختصرة.
وسأقتصر على ما صح في ذلك من الأحاديث والأثر الذي له حكم الرفع.
وقد كتب في هذا الموضوع جمع من العلماء، والموضوع يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام.
أسأل الله التوفيق والسداد.

ثم أما بعد:

فيوم القيامة طويل جدا، مقداره خمسون ألف سنة، سيعيش الناس فيه حياة جديدة ممتدة آلاف السنين قبل الاستقرار في الجنة أو النار.

وخلال آلاف السنين التي سيعيشونها في أرض المحشر ستكون الشمس منهم قريبة، تبعد عن رؤوسهم ميلاً واحدا.
فسيغرق الناس في عرقهم، وسيطول مقامهم، ويكثر ألمهم، غير من ادخر عملاً صالحا يجعله مستظلاً به.
ويحرص المؤمن على معرفة الخصال التي يستظل بها في ذلك اليوم الرهيب.
فلذلك نبه عليها الشرع الحنيف.

لا شك أن من أطاع الله ورسوله، فاتبع الأوامر، واجتنب النواهي، أنه سيكون من المستظلين من شمس القيامة، وهؤلاء هم الأصناف الأربعة الذين ذكرهم الله في قوله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

وأشهرها الخصال السبعة المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور المتفق عليه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
وقوله: "يوم لا ظل إلا ظله" أي لا ظل إلا ظل الله الذي يظل به عباده، فهو مضاف إلى الله وحده.
الظلال يوم القيامة ليست مقتصرة على ظل العرش،بل هناك ظلال أخرى، لكن أعظمها وأظهرها ظل العرش كماسيأتي.

المراد بقوله:"في ظله" أي ظل العرش كما جاء مصرحا ببعض الروايات،وسيأتي الحديث عن معنى الظلال الأخرى.

أولاً: الإمام العادل في حكمه وفي رعيته، وهذا يدل على صلاحه في نفسه.
وفضائله كثرة، ومهامّه خطيرة.
ثانيا: الشاب الناشيء منذ صغره في عبادة الله وطاعته، فأفنى شبابه وقوته ونشاطه في مراضي الله عز وجل.
ثالثا: الرجل الذي تعلق قلبه بالمسجد فما يخرج من المسجد إلا وقلبه يحن للمسجد حتى وقت الصلاة الأخرى.
رابعاً: المتحابان في الله المستمران على هذه المحبة الدينية حتى يفرقهما الموت أو انقطاع الخبر.
والمتحابون في الله يظلهم الله في ظله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ". رواه مسلم.
خامسا: رجل دعته وطلبته امرأة جميلة وذات منصب ومنزلة إلى نفسها للفاحشة فرفض، وقال: إني أخاف الله.
سادساً: من تصدق بصدقة فأخفاها حتى أن شماله لم تعرف كم أنفقت يمينه.
والصدقة عموما لها شأن عظيم.
سابعاً: من ذكر الله عز وجل في خلوة بعيدا عن الناس ففاضت عيناه بالدموع من خشية الله.
ثامناً: من ينظر معسرا ممن عليه دين له، ويصبر على سداد الدَّين.
فإنظار المعسر فضله كبير جداً.
تاسعاً: من يمحو عن المَدين بعض الدين أو يسامحه فيه كلِّه كان ممن يظلهم الله في ظله.
روى مسلم في صحيحه عن أبي اليسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله».
عاشراً: الذي يظل رأس المجاهد في سيل الله جهادا شرعياً من حر الشمس.
لما في ذلك من إعانة على الجهاد.
حادي عشر: من أعان غازياً في سبيل الله إعانة مطلقة لم تقيَّد في الحديث.
والمقصود الجهاد الشرعي.
ثاني عشر: من أعان رقيقا مكاتباً على كتابته ليصير حراً، ممن علم فيهم الخير ورجي صلاحهم.
ثالث عشر: من إذا جاءه الحق أو أعطي حقه قبله ولم يرد الحق ويمتعض منه.
رابع عشر: من إذا سأله صاحب الحق حقه بذله ولم يمتنع ويماطل في رد الحق لأهله.
خامس عشر: من يحكم للناس بمثل ما يحكم لنفسه.
ففيه فضل العدل في الحكم وأن تحب للناس ما تحب لنفسك.
سادس عشر: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل.
سابع عشر: عمار المساجد. فهم جيران الله.
وهذا أعم من الرجل الذي قلبه معلق بالمسجد.
ثامن عشر: حفظة القرآن العاملون به، لا سيما من يحفظ البقرة وآل عمران، فإن ثوابهما يظل صاحبهما.
تاسع عشر: أهل الصيام، والمحافظون عليه.
الموفية عشرون: الشهداء.
الحادية والعشرون: الصديقون
الثانية والعشرون: الخصلة الجامعة وهي الصلاح والإيمان والتقوى،فإن لأهلها كراسي من لؤلؤ يجلسون عليها مستظلين رواه أبو نعيم في حلية الأولياء(8 /126) بسند صحيح.
ورواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف بلفظ: "توضع لهم كراسي من نور، ويظلل عليهم الغمام، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة نهار".

ولا شك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم الأخيار، وصفوة الله من خلقه أولى الخلق بذلك

ومن الطرائف والعجائب: أن ذراري المؤمنين يكونون يوم القيامة تحت ظل العرش كما في حديث ابن عمر.
كان لرجل من الأنصار ابن يحبه فمات فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟»قال: بلى يا رسول الله.
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-10-2017 , 12:50 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الخصال المرجو لصاحبها الظلال يوم القيامة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فسأذكر بحول الله وقوّته الخصال المرجو لصاحبها الظلال يوم القيامة مختصرة.
وسأقتصر على ما صح في ذلك من الأحاديث والأثر الذي له حكم الرفع.
وقد كتب في هذا الموضوع جمع من العلماء، والموضوع يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام.
أسأل الله التوفيق والسداد.

ثم أما بعد:

فيوم القيامة طويل جدا، مقداره خمسون ألف سنة، سيعيش الناس فيه حياة جديدة ممتدة آلاف السنين قبل الاستقرار في الجنة أو النار.

وخلال آلاف السنين التي سيعيشونها في أرض المحشر ستكون الشمس منهم قريبة، تبعد عن رؤوسهم ميلاً واحدا.
فسيغرق الناس في عرقهم، وسيطول مقامهم، ويكثر ألمهم، غير من ادخر عملاً صالحا يجعله مستظلاً به.
ويحرص المؤمن على معرفة الخصال التي يستظل بها في ذلك اليوم الرهيب.
فلذلك نبه عليها الشرع الحنيف.

لا شك أن من أطاع الله ورسوله، فاتبع الأوامر، واجتنب النواهي، أنه سيكون من المستظلين من شمس القيامة، وهؤلاء هم الأصناف الأربعة الذين ذكرهم الله في قوله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

وأشهرها الخصال السبعة المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور المتفق عليه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
وقوله: "يوم لا ظل إلا ظله" أي لا ظل إلا ظل الله الذي يظل به عباده، فهو مضاف إلى الله وحده.
الظلال يوم القيامة ليست مقتصرة على ظل العرش،بل هناك ظلال أخرى، لكن أعظمها وأظهرها ظل العرش كماسيأتي.

المراد بقوله:"في ظله" أي ظل العرش كما جاء مصرحا ببعض الروايات،وسيأتي الحديث عن معنى الظلال الأخرى.

أولاً: الإمام العادل في حكمه وفي رعيته، وهذا يدل على صلاحه في نفسه.
وفضائله كثرة، ومهامّه خطيرة.
ثانيا: الشاب الناشيء منذ صغره في عبادة الله وطاعته، فأفنى شبابه وقوته ونشاطه في مراضي الله عز وجل.
ثالثا: الرجل الذي تعلق قلبه بالمسجد فما يخرج من المسجد إلا وقلبه يحن للمسجد حتى وقت الصلاة الأخرى.
رابعاً: المتحابان في الله المستمران على هذه المحبة الدينية حتى يفرقهما الموت أو انقطاع الخبر.
والمتحابون في الله يظلهم الله في ظله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ". رواه مسلم.
خامسا: رجل دعته وطلبته امرأة جميلة وذات منصب ومنزلة إلى نفسها للفاحشة فرفض، وقال: إني أخاف الله.
سادساً: من تصدق بصدقة فأخفاها حتى أن شماله لم تعرف كم أنفقت يمينه.
والصدقة عموما لها شأن عظيم.
سابعاً: من ذكر الله عز وجل في خلوة بعيدا عن الناس ففاضت عيناه بالدموع من خشية الله.
ثامناً: من ينظر معسرا ممن عليه دين له، ويصبر على سداد الدَّين.
فإنظار المعسر فضله كبير جداً.
تاسعاً: من يمحو عن المَدين بعض الدين أو يسامحه فيه كلِّه كان ممن يظلهم الله في ظله.
روى مسلم في صحيحه عن أبي اليسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله».
عاشراً: الذي يظل رأس المجاهد في سيل الله جهادا شرعياً من حر الشمس.
لما في ذلك من إعانة على الجهاد.
حادي عشر: من أعان غازياً في سبيل الله إعانة مطلقة لم تقيَّد في الحديث.
والمقصود الجهاد الشرعي.
ثاني عشر: من أعان رقيقا مكاتباً على كتابته ليصير حراً، ممن علم فيهم الخير ورجي صلاحهم.
ثالث عشر: من إذا جاءه الحق أو أعطي حقه قبله ولم يرد الحق ويمتعض منه.
رابع عشر: من إذا سأله صاحب الحق حقه بذله ولم يمتنع ويماطل في رد الحق لأهله.
خامس عشر: من يحكم للناس بمثل ما يحكم لنفسه.
ففيه فضل العدل في الحكم وأن تحب للناس ما تحب لنفسك.
سادس عشر: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل.
سابع عشر: عمار المساجد. فهم جيران الله.
وهذا أعم من الرجل الذي قلبه معلق بالمسجد.
ثامن عشر: حفظة القرآن العاملون به، لا سيما من يحفظ البقرة وآل عمران، فإن ثوابهما يظل صاحبهما.
تاسع عشر: أهل الصيام، والمحافظون عليه.
الموفية عشرون: الشهداء.
الحادية والعشرون: الصديقون
الثانية والعشرون: الخصلة الجامعة وهي الصلاح والإيمان والتقوى،فإن لأهلها كراسي من لؤلؤ يجلسون عليها مستظلين رواه أبو نعيم في حلية الأولياء(8 /126) بسند صحيح.
ورواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف بلفظ: "توضع لهم كراسي من نور، ويظلل عليهم الغمام، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة نهار".

ولا شك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم الأخيار، وصفوة الله من خلقه أولى الخلق بذلك

ومن الطرائف والعجائب: أن ذراري المؤمنين يكونون يوم القيامة تحت ظل العرش كما في حديث ابن عمر.
كان لرجل من الأنصار ابن يحبه فمات فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أوما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟»قال: بلى يا رسول الله.
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 01:38 PM   #7
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله".

قيل: كيف يستعمله يارسول الله؟

قال: "يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه".

رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وغيرهم وسنده صحيح. [الصحيحة:1334].


اللهم استعملنا في طاعتك، واختم لنا بخاتمة حسنة وأنت راض عنا.
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-10-2017 , 01:38 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله".

قيل: كيف يستعمله يارسول الله؟

قال: "يوفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم يقبضه عليه".

رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وغيرهم وسنده صحيح. [الصحيحة:1334].


اللهم استعملنا في طاعتك، واختم لنا بخاتمة حسنة وأنت راض عنا.
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 01:49 PM   #8
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فعن مجاهد رحمه الله قال: «خرجت إلى العراق أنا ورجل معي ـ فشيعنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي شيء أعطيكما، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(إذا استودع الله شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم عملكما).

رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، والطبراني، والبيهقي وغيرهم وسنده صحيح. [الصحيحة:2547]

وكان أبو زرعة الرازي يعظم قدر هذا الحديث كما قاله المقدسي في الأربعين في فضل الدعا والداعين.

وهذا من الحكمة التي أعطاها الله للقمان رحمه الله.

عن قزعة بن يحيى البصري قال: كنت عند ابن عمر، فلما خرجت شيعني وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال لقمان الحكيم: «إن الله إذا استودع شيئا حفظه»، وإني أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك، وأقرأ عليك السلام».
رواه الإمام أحمد، وعبد بن حميد، والنسائي، والخرائطي في مكارم الأخلاق، وغيرهم.
بعضهم رواه عن قزعة، وبعضهم عن أبي غالب، واختلف على سفيان الثوري فيه فمرة عن أحدهما بدون شك أو بالشك، وهو ثابت عنهما جميعاً رواه النسائي، والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق محمد بن فضيل عن نهشل الضبي عن قزعة به، والنسائي من طريق أبي سنان ضرار بن مرة عن أبي غالب به، فقد تابع أحدهما ا لآخر، وهذا يؤكد صحة الحديث.
ولم يتنبه شيخنا الألباني رحمه لهه الطرق المرجحة لما ذكرته، كما يعلم من تخريجه للحديث في الضعيفة
(رقم3191) حيث إنه ضعفه عن لقمان رحمه الله، مع تصحيحه له عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر لقمان كما في الصحيحة(رقم2547)، وكلاهما صحيح.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-10-2017 , 01:49 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فعن مجاهد رحمه الله قال: «خرجت إلى العراق أنا ورجل معي ـ فشيعنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي شيء أعطيكما، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(إذا استودع الله شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم عملكما).

رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، والطبراني، والبيهقي وغيرهم وسنده صحيح. [الصحيحة:2547]

وكان أبو زرعة الرازي يعظم قدر هذا الحديث كما قاله المقدسي في الأربعين في فضل الدعا والداعين.

وهذا من الحكمة التي أعطاها الله للقمان رحمه الله.

عن قزعة بن يحيى البصري قال: كنت عند ابن عمر، فلما خرجت شيعني وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال لقمان الحكيم: «إن الله إذا استودع شيئا حفظه»، وإني أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك، وأقرأ عليك السلام».
رواه الإمام أحمد، وعبد بن حميد، والنسائي، والخرائطي في مكارم الأخلاق، وغيرهم.
بعضهم رواه عن قزعة، وبعضهم عن أبي غالب، واختلف على سفيان الثوري فيه فمرة عن أحدهما بدون شك أو بالشك، وهو ثابت عنهما جميعاً رواه النسائي، والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق محمد بن فضيل عن نهشل الضبي عن قزعة به، والنسائي من طريق أبي سنان ضرار بن مرة عن أبي غالب به، فقد تابع أحدهما ا لآخر، وهذا يؤكد صحة الحديث.
ولم يتنبه شيخنا الألباني رحمه لهه الطرق المرجحة لما ذكرته، كما يعلم من تخريجه للحديث في الضعيفة
(رقم3191) حيث إنه ضعفه عن لقمان رحمه الله، مع تصحيحه له عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر لقمان كما في الصحيحة(رقم2547)، وكلاهما صحيح.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 01:49 PM   #9
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فيقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.

وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "

الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه.

فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله.

ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ " رواه مسلم.

قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 275) : "وقوله صلى الله عليه وسلم: " «فأنى يستجاب لذلك» " معناه: كيف يستجاب له؟ فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وليس صريحا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية، فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه، وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضا، وكذلك ترك الواجبات كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع استجابة دعاء الأخيار، وفعل الطاعات يكون موجبا لاستجابة الدعاء. ولهذا لما توسل الذين دخلوا الغار، وانطبقت الصخرة عليهم بأعمالهم الصالحة التي أخلصوا فيها لله تعالى ودعوا الله بها، أجيبت دعوتهم.

وقال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر". انتهى المراد منه.

وأعظم الأعمال الصالحة وعليه مدار العمل: التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وإخلاص العمل له.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: "{والعمل الصالح يرفعه} التوحيد , لا يرتفع العمل إلا بالتوحيد كقوله: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]".

فمن كان حريصا على أن تجاب دعوته، ويريد من الله أن يفرج همه ويزيل وينفس كربته فليصلح عمله، وليخلص لله عبادته.

وذكر الله عز وجل ودعاؤه لا يقبل إلا بالتوحيد.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10-10-2017 , 01:49 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فيقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.

وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "

الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه.

فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله.

ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ " رواه مسلم.

قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 275) : "وقوله صلى الله عليه وسلم: " «فأنى يستجاب لذلك» " معناه: كيف يستجاب له؟ فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وليس صريحا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية، فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه، وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضا، وكذلك ترك الواجبات كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع استجابة دعاء الأخيار، وفعل الطاعات يكون موجبا لاستجابة الدعاء. ولهذا لما توسل الذين دخلوا الغار، وانطبقت الصخرة عليهم بأعمالهم الصالحة التي أخلصوا فيها لله تعالى ودعوا الله بها، أجيبت دعوتهم.

وقال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر". انتهى المراد منه.

وأعظم الأعمال الصالحة وعليه مدار العمل: التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وإخلاص العمل له.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: "{والعمل الصالح يرفعه} التوحيد , لا يرتفع العمل إلا بالتوحيد كقوله: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]".

فمن كان حريصا على أن تجاب دعوته، ويريد من الله أن يفرج همه ويزيل وينفس كربته فليصلح عمله، وليخلص لله عبادته.

وذكر الله عز وجل ودعاؤه لا يقبل إلا بالتوحيد.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2017, 02:16 PM   #10
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

http://m-noor.com/forumdisplay.php?f...r=desc&page=14
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-10-2017 , 02:16 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: موسوعة_خطب_المنبر ..

http://m-noor.com/forumdisplay.php?f...r=desc&page=14
رد مع اقتباس
إضافة رد


يشاهد الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 PM