إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 14-05-2017, 02:04 PM   #11
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=29347
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #11  
قديم 14-05-2017 , 02:04 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=29347
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2017, 02:07 PM   #12
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.elbehira.net/elbehira/nd_...hp?shart=39951
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #12  
قديم 14-05-2017 , 02:07 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.elbehira.net/elbehira/nd_...hp?shart=39951
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2017, 05:58 PM   #13
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

عنوان هذه الخطبة ((ما هي السعادة)).

يبحث كل إنسان بكل ما أوتي من قوة عن السعادة، فما هي السعادة؟ وأين توجد؟

هل السعادة مال وفير وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث؟

هل السعادة منصب يرفع العبد على الناس، فيصبحون له خدماً وخولاً؟

هل السعادة صحة الجسم، فلا يمرض، ولا يجوع، ولا يبأس؟

هل السعادة السلامة من الناس، والنجاة من غوائلهم ودواهيهم؟

لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق، سبباً لدمارهم وهلاكهم، وللعنة الله التي وقعت عليهم.

طلبها فرعون وتلاميذه في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة، فتشدق في الجماهير: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي [الزخرف:51]. ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول: ما علمتُ لكم من إله غيري [القصص:38]. فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله؛ إنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها فأخذه الله نكال الآخرة والأولى [النازعات:25]. ويقول الله عنه وعن مثله: النار يُعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر:46].

ويمنح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه، ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر فخسفنا به وبداره الأرض [القصص:81].

وطلب السعادة الوليد بن المغيرة، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل، خمسة عن يمينه، وخمسة عن يساره، ونسي أن الله خلفه فرداً بلا ولد ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً ومهدت له تمهيداً ثم يطمع أن أزيد كلا [المدثر:11-16].

فماذا فعل، كيف تصرف؟ أخذ عطاء الله من الأبناء، فجعلهم جنوداً يحاربون الله، إلا من رحم ربك، فقال الله فيه: سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر [المدثر:26-30].

وهذا يلتمس السعادة في الشهرة فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه، ليصبح معبود الجماهير، وحديث الركبان، وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17].

وذاك يظن أن السعادة في الفن، الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز، ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمّله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً، ويحجب الله السعادة عن كل من لم يعترف بألوهيته، ويدين بربوبيته، فيقول: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [طه:124-126].

فأين السعادة؟ أين توجد لمن يبحث عنها؟ أين مكانها؟ من الذي أتى بالسعادة وأدخلها القلوب؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام.

السعادة الإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس بن متى، وهو في ظلمات ثلاث: في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت، بلسان ضارع حزين: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين [الأنبياء:87]. فوجد السعادة.

ووجدها موسى عليه السلام، وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: كلا إن معي ربي سيهدين [الشعراء:62].

ووجدها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يطوّق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً: لا تحزن إن الله معنا [التوبة:40].

سهدت أعينٌ ونامت عيـون في شئون تكون أو لا تكون
فاطرح الهـم مـا استطعت فحمـلانك الهمـوم جنـون
إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيـك فـي غدٍ ما يكون
ووجد السعادة يوسف عليه السلام، وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار [يوسف:39]. فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة.

ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات، كما قال جلاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة، فيجد السعادة.

أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت، رفع بساطه، ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه. ثم يقول: لو علمت أني أموت شاباً، ما فعلت الذي فعلت من الذنوب.

ووجدها ابن تيمية، وهو يكبّل بالحديد، ويغلق عليه السجان الباب، داخل غرفة ضيقة مظلمة، فيقول ابن تيمية: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [الحديد:13].

ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن، فيرسل لهم رسالة، وينشد لهم نشيداً، وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سرت فهي معي. . أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة!!.

ووجدها إبراهيم بن أدهم، وهو ينام في طرف السكك في بغداد، لا يجد كسرة الخبز ويقول: والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!.

هذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح، الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن سكن القصر بلا إيمان، كتب الله عليه: فإن له معيشة ضنكاً [طه:124]. ومن جمع المال بلا إيمان، ختم الله على قلبه: فإن له معيشة ضنكا. ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته فإن له معيشة ضنكا.

فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن الخلود في الآخرة، في جنات ونهر، لا يكون ذلك إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.






الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والهادي إلى رضوان ربه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المتنبي الشاعر:

أبنـي أبينا نحـن أهـل منـازل أبداً غـراب البين فيهـا ينعقُ
نُبقي على الدنيا ومـا من معشـرٍ جمعتهم الدنيـا فلـم يتفرقـوا
أين الأكاسـرة الجبابـرة الأولـى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضـاء بجيشه حتـى ثوى فحواه لحدٌ ضـيق
خرسٌ إذا نودوا كـأن لم يعلمـوا أن الكـلام لهم حـلالٌ مطلقُ
قال أهل السير وأهل التاريخ: لما استقر هارون الرشيد في الخلافة، وتولاها بعد أبيه، أنفق الكنوز والقناطير المقنطرة، في عمارة قصر على نهر دجلة؛ يدخل النهر من شمال القصر ويخرج من جنوبه، وعمّر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور، وجلس للناس، فدخل الناس يهنئونه بقصره وبحدائقه، وكان فيمن دخل أبو العتاهية، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له:

عش ما بدا لك سالمـاً في ظل شاهقـة القصـور
يقول: ليهنك العيش والسعادة، ودوام الصحة والعافية، في ظل هذا القصر، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد، قال:

يجري عليك بمـا أردت مع الغـدوّ مع البكـور
يقول: يأتيك الخدم والجواري، بالأطعمة والأشربة، وكل ما أردت، صباحاً ومساء قال: هيه، قال:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
قال: أعد. أعد. قال: فإذا النفوس تغرغرت، يعني إذا حضرت سكرات الموت، وحان الأجل، وساعة الصفر، وبلغت الروح التراقي: وقيل من راق [القيامة:27]. والتُمس الطبيب، وذلك الذي يحيد منه العبد.

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
يقول: إذا أتتك سكرات الموت، وأشرفت على الهلاك، سوف تعلم أنك كنت تضحك على نفسك، وأنك كنت تعبث كما يعبث الصبيان، قال: أعد، ثلاثاً، فردد أبو العتاهية:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
فبكى هارون حتى وقع على الأرض، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت، ونزل في قصره القديم، فلم يمض عليه شهر واحد، حتى أصبح في عداد الموتى.

هذا هو هارون الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة نافلة، ويغزو سنة، ويحج سنة.

وقصص الذين كانوا يبحثون عن السعادة، ولكنهم لم يوفقوا لها كثيراً، فهذا عبد الملك بن مروان حكم العالم الإسلامي، طوله وعرضه، شرقه وغربه، ولكنه لما أتته سكرات الموت، نزل من على سرور الملك، لأن سرير الملك لرجل آخر غيره، لأنه لا يمكن أن يستمر عليه، فالله – تبارك وتعالى – وحده، هو صاحب الملك والملكوت، وهو وحده الذي يعزل ويولي، ويملك ويخلع، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت.

نزل، وسمع غسالاً بجانب القصر في سعادة، وفي هناء، ما عنده ملك، ولا مشاغل، ولا مشاكل، وكان هذا الغسال ينشد نشيداً، وهو يغسل الثياب، فقال عبد الملك: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، ثم مات. قال سعيد بن المسيب، معلقاً على هذه الكلمات: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم.

أيها الناس:

من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، في المصحف، في السنة، في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام، في اتباع محمد، عليه الصلاة والسلام.

عباد الله:

صلوا على المعصوم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه فإنه يقول: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ)).







كفى بالموت واعظا
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #13  
قديم 14-05-2017 , 05:58 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

عنوان هذه الخطبة ((ما هي السعادة)).

يبحث كل إنسان بكل ما أوتي من قوة عن السعادة، فما هي السعادة؟ وأين توجد؟

هل السعادة مال وفير وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث؟

هل السعادة منصب يرفع العبد على الناس، فيصبحون له خدماً وخولاً؟

هل السعادة صحة الجسم، فلا يمرض، ولا يجوع، ولا يبأس؟

هل السعادة السلامة من الناس، والنجاة من غوائلهم ودواهيهم؟

لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق، سبباً لدمارهم وهلاكهم، وللعنة الله التي وقعت عليهم.

طلبها فرعون وتلاميذه في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة، فتشدق في الجماهير: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي [الزخرف:51]. ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول: ما علمتُ لكم من إله غيري [القصص:38]. فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله؛ إنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها فأخذه الله نكال الآخرة والأولى [النازعات:25]. ويقول الله عنه وعن مثله: النار يُعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر:46].

ويمنح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه، ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر فخسفنا به وبداره الأرض [القصص:81].

وطلب السعادة الوليد بن المغيرة، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل، خمسة عن يمينه، وخمسة عن يساره، ونسي أن الله خلفه فرداً بلا ولد ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً ومهدت له تمهيداً ثم يطمع أن أزيد كلا [المدثر:11-16].

فماذا فعل، كيف تصرف؟ أخذ عطاء الله من الأبناء، فجعلهم جنوداً يحاربون الله، إلا من رحم ربك، فقال الله فيه: سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر [المدثر:26-30].

وهذا يلتمس السعادة في الشهرة فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه، ليصبح معبود الجماهير، وحديث الركبان، وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض [الرعد:17].

وذاك يظن أن السعادة في الفن، الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز، ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمّله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً، ويحجب الله السعادة عن كل من لم يعترف بألوهيته، ويدين بربوبيته، فيقول: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [طه:124-126].

فأين السعادة؟ أين توجد لمن يبحث عنها؟ أين مكانها؟ من الذي أتى بالسعادة وأدخلها القلوب؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام.

السعادة الإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس بن متى، وهو في ظلمات ثلاث: في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت، بلسان ضارع حزين: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين [الأنبياء:87]. فوجد السعادة.

ووجدها موسى عليه السلام، وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد: كلا إن معي ربي سيهدين [الشعراء:62].

ووجدها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يطوّق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً: لا تحزن إن الله معنا [التوبة:40].

سهدت أعينٌ ونامت عيـون في شئون تكون أو لا تكون
فاطرح الهـم مـا استطعت فحمـلانك الهمـوم جنـون
إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيـك فـي غدٍ ما يكون
ووجد السعادة يوسف عليه السلام، وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار [يوسف:39]. فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة.

ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات، كما قال جلاده، ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة، فيجد السعادة.

أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت، رفع بساطه، ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه. ثم يقول: لو علمت أني أموت شاباً، ما فعلت الذي فعلت من الذنوب.

ووجدها ابن تيمية، وهو يكبّل بالحديد، ويغلق عليه السجان الباب، داخل غرفة ضيقة مظلمة، فيقول ابن تيمية: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [الحديد:13].

ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن، فيرسل لهم رسالة، وينشد لهم نشيداً، وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سرت فهي معي. . أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة!!.

ووجدها إبراهيم بن أدهم، وهو ينام في طرف السكك في بغداد، لا يجد كسرة الخبز ويقول: والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف!.

هذه هي السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح، الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن سكن القصر بلا إيمان، كتب الله عليه: فإن له معيشة ضنكاً [طه:124]. ومن جمع المال بلا إيمان، ختم الله على قلبه: فإن له معيشة ضنكا. ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته فإن له معيشة ضنكا.

فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن الخلود في الآخرة، في جنات ونهر، لا يكون ذلك إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.






الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، والهادي إلى رضوان ربه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المتنبي الشاعر:

أبنـي أبينا نحـن أهـل منـازل أبداً غـراب البين فيهـا ينعقُ
نُبقي على الدنيا ومـا من معشـرٍ جمعتهم الدنيـا فلـم يتفرقـوا
أين الأكاسـرة الجبابـرة الأولـى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضـاء بجيشه حتـى ثوى فحواه لحدٌ ضـيق
خرسٌ إذا نودوا كـأن لم يعلمـوا أن الكـلام لهم حـلالٌ مطلقُ
قال أهل السير وأهل التاريخ: لما استقر هارون الرشيد في الخلافة، وتولاها بعد أبيه، أنفق الكنوز والقناطير المقنطرة، في عمارة قصر على نهر دجلة؛ يدخل النهر من شمال القصر ويخرج من جنوبه، وعمّر الحدائق التي تطل وتتمايل على النهر، ثم رفع الستور، وجلس للناس، فدخل الناس يهنئونه بقصره وبحدائقه، وكان فيمن دخل أبو العتاهية، فوقف أمام هارون الرشيد وقال له:

عش ما بدا لك سالمـاً في ظل شاهقـة القصـور
يقول: ليهنك العيش والسعادة، ودوام الصحة والعافية، في ظل هذا القصر، فارتاح هارون لهذا الكلام وقال: هيه، يعني زد، قال:

يجري عليك بمـا أردت مع الغـدوّ مع البكـور
يقول: يأتيك الخدم والجواري، بالأطعمة والأشربة، وكل ما أردت، صباحاً ومساء قال: هيه، قال:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
قال: أعد. أعد. قال: فإذا النفوس تغرغرت، يعني إذا حضرت سكرات الموت، وحان الأجل، وساعة الصفر، وبلغت الروح التراقي: وقيل من راق [القيامة:27]. والتُمس الطبيب، وذلك الذي يحيد منه العبد.

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
يقول: إذا أتتك سكرات الموت، وأشرفت على الهلاك، سوف تعلم أنك كنت تضحك على نفسك، وأنك كنت تعبث كما يعبث الصبيان، قال: أعد، ثلاثاً، فردد أبو العتاهية:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهنـاك تعلـم موقنـاً ما كنت إلا في غرور!!
فبكى هارون حتى وقع على الأرض، ثم أمر بالستور فهتكت، والأبواب فأغلقت، ونزل في قصره القديم، فلم يمض عليه شهر واحد، حتى أصبح في عداد الموتى.

هذا هو هارون الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة نافلة، ويغزو سنة، ويحج سنة.

وقصص الذين كانوا يبحثون عن السعادة، ولكنهم لم يوفقوا لها كثيراً، فهذا عبد الملك بن مروان حكم العالم الإسلامي، طوله وعرضه، شرقه وغربه، ولكنه لما أتته سكرات الموت، نزل من على سرور الملك، لأن سرير الملك لرجل آخر غيره، لأنه لا يمكن أن يستمر عليه، فالله – تبارك وتعالى – وحده، هو صاحب الملك والملكوت، وهو وحده الذي يعزل ويولي، ويملك ويخلع، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت.

نزل، وسمع غسالاً بجانب القصر في سعادة، وفي هناء، ما عنده ملك، ولا مشاغل، ولا مشاكل، وكان هذا الغسال ينشد نشيداً، وهو يغسل الثياب، فقال عبد الملك: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، ثم مات. قال سعيد بن المسيب، معلقاً على هذه الكلمات: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم.

أيها الناس:

من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، في المصحف، في السنة، في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام، في اتباع محمد، عليه الصلاة والسلام.

عباد الله:

صلوا على المعصوم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه فإنه يقول: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ)).







كفى بالموت واعظا
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2017, 06:01 PM   #14
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

كان رجل في بني إسرائيل اسمه «الكفل»، وكان معروفًا بين الناس بفحشه وإجرامه، وذات ليلة وبينما هو في منزله إذ سمع طرقًا على بابه،...............







فقام ليفتحه فإذا بامرأة يقطر منها الحياء وقد جاءته لتطلب منه أن يقرضها مبلغًا من المال لحاجتها الضرورية إليه، فيوافق على إقراضها بشرط أن تمكنه من نفسها، فتضطر المرأة للموافقة، وعندما يقترب منها إذ بها ترتعد، فيسألها عن السبب، فتجيبه بأنها لم تفعل هذا من قبل، وإنها تخاف من غضب الله عليها.

هنا توقف الكفل عما كان ينوي فعله، وقال لها: من الذي ينبغي له أن يخاف من غضب الله: أنا أم أنت؟ ثم أعطاها ما تريد من مال، وتركها تنصرف، والندم يعتصر قلبه على آثامه التي اقترفها، وعلى استخفافه بأوامر ربه، ثم توجه إلى الله بهذا القلب المنكسر يسأله العفو والصفح والتوبة.

وبينما هو كذلك إذ أتاه زائر آخر.... ولكن هذا الزائر لا يطرق باباً ولا يستأذن !!!

لقد جاءه ملك الموت وهو في هذه الحالة،وقبض روحه ..... فلما أشرقت الشمس وجاء الصباح، فوجئ الناس, جيرانه ومعارفه الذين تركوه بالليل, وهم يعلمون عنه ما يعلمون, فوجئوا جميعًا بأن باب داره مكتوب عليه «إن الله قد غفر للكفل».

لم يصدقوا ما قرءوه، فهرعوا إلى نبيهم، فأوحى الله إليه بما حدث، فأخبرهم خبره، فتلقوه فاغرين أفواههم، غير مصدقين ما حدث.

بلا شك- أخي القارئ- أن هناك دروسًا كثيرة تحملها هذه القصة، لعل من أهمها أن الله عز وجل عندما وجد من الكفل هذه التوبة الصادقة، وهذا الندم، أمر ملك الموت بأن يأخذه على هذا الحال لُينهي حياته نهاية سعيدة، فربما- كما في علم الله- أنه إذا ما استمرت حياته لعاد مرة أخرى لغيه وعصيانه.

ومن هذه الدروس كذلك معرفة مدى حب الله العظيم لعباده فكتابة العبارة على الباب ما هي إلا رسالة للناس جميعًا بأن رحمة الله واسعة.. تسع الجميع، فلا ينبغي لمذنب مهما كان جُرمه أن ييأس أو يقنط من بلوغها، والدليل أن الكفل قد غُفرَ له.. إنها رسالة تقول لكل فرد: أقبل ولا تخف، فربك ينتظرك.

وكيف لا يكون الأمر كذلك، والله عز وجل يحب عباده جميعًا، ويريد لهم الخير، ودخول الجنة، وينتظر من أي منهم التفاتة صادقة إليه ليقبل عليه، ويعفو عما مضى منه.

ومما يؤكد هذا المعنى ما حدث لقاتل المئة نفس:

قال صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على راهب، فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمَّل به مئَة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قَتل مئة نفس فهل له من توبة؟

فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أُناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يفعل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة»([1]).

وفي رواية: «فأوحي الله تعالى إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقرَّبي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له».

لا يحوجنا إلى المشي الكثير

نعم، أخي ، إن ربك ينتظر منك أي بادرة صادقة في العودة إليه، ليقترب منك ويقترب، ولا يحوجك إلى المشي الكثير، كما في الحديث القدسي: «.. ومن تقرب مني شبرًا، تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ...»([2]).



يعلق الإمام النووي على هذا الحديث فيقول:

أي من تقرب إلى بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وإن زاد عبدي زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود ([3]).

فهل توافقنى -أخى- أن هذا الحديث وغيره مما سبق ذكره يدل على شدة شوقه سبحانه لعودة عبادة إليه، وأنه أشد شوقا لهذه العودة من العبادة أنفسهم؟!

ولو كُشفت الحُجُب، وتأكد الشاردون عن الله من هذه الحقيقة لماتوا خجلا منه سبحانه.

بابه مفتوح للجميع:

أخي .. ما تعليقك على قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»([4])؟

ألا يكفيك دليلا على حب ربك لك أن جعل بابه مفتوحًا أمامك ليل نهار، وبدون وجود حاجب ولا واسطة، فمتى شئت، ومتى رغبت في الدخول عليه دخلت؟!

ألم يكن من الممكن أن يكون الدخول على الله ودعاؤه في وقت محدد بالليل أو بالنهار، وعلى من يريد أن يجاب طلبه أن يجتهد في تحري هذا الوقت كما يحدث مع كل صاحب سلطان.

ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يفعل ذلك، فلم يغلق بابه أبدًا في وجه أحد مهما كان جُرمه.

نعم، مهما كان جُرمه.

وليس ذلك للمسلمين فحسب بل لجميع عباده من يهود ونصاري وملحدين وبوذيين, ومن منافقين، وفاجرين، وقطاع طرق، ومجرمين.

أليس كل واحد من هؤلاء له مكان في الجنة يريد الله له أن يشغله، ولا يتركه؟!

فإن كنت تشك في هذه الحقيقة فتأمل معي توجيهه لرسوله الكريم: ]قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ[ [الأنفال: 38] هكذا بكل بساطة.



وتأمل خطابه للمنافقين، فبعد أن حذرهم وخوفهم من مآل أفعالهم عاد فلم ييئسهم من رحمته بل جعل الطريق أمامهم ممهدًا للتوبة والعودة إليه ]]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا` إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[ [النساء: 145، 146].

وبعد ذلك يأتي التأكيد على أن الله عز وجل لا يريد أن يعذب أحدًا من خلقه ]مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا[ [النساء: 147].
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #14  
قديم 14-05-2017 , 06:01 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

كان رجل في بني إسرائيل اسمه «الكفل»، وكان معروفًا بين الناس بفحشه وإجرامه، وذات ليلة وبينما هو في منزله إذ سمع طرقًا على بابه،...............







فقام ليفتحه فإذا بامرأة يقطر منها الحياء وقد جاءته لتطلب منه أن يقرضها مبلغًا من المال لحاجتها الضرورية إليه، فيوافق على إقراضها بشرط أن تمكنه من نفسها، فتضطر المرأة للموافقة، وعندما يقترب منها إذ بها ترتعد، فيسألها عن السبب، فتجيبه بأنها لم تفعل هذا من قبل، وإنها تخاف من غضب الله عليها.

هنا توقف الكفل عما كان ينوي فعله، وقال لها: من الذي ينبغي له أن يخاف من غضب الله: أنا أم أنت؟ ثم أعطاها ما تريد من مال، وتركها تنصرف، والندم يعتصر قلبه على آثامه التي اقترفها، وعلى استخفافه بأوامر ربه، ثم توجه إلى الله بهذا القلب المنكسر يسأله العفو والصفح والتوبة.

وبينما هو كذلك إذ أتاه زائر آخر.... ولكن هذا الزائر لا يطرق باباً ولا يستأذن !!!

لقد جاءه ملك الموت وهو في هذه الحالة،وقبض روحه ..... فلما أشرقت الشمس وجاء الصباح، فوجئ الناس, جيرانه ومعارفه الذين تركوه بالليل, وهم يعلمون عنه ما يعلمون, فوجئوا جميعًا بأن باب داره مكتوب عليه «إن الله قد غفر للكفل».

لم يصدقوا ما قرءوه، فهرعوا إلى نبيهم، فأوحى الله إليه بما حدث، فأخبرهم خبره، فتلقوه فاغرين أفواههم، غير مصدقين ما حدث.

بلا شك- أخي القارئ- أن هناك دروسًا كثيرة تحملها هذه القصة، لعل من أهمها أن الله عز وجل عندما وجد من الكفل هذه التوبة الصادقة، وهذا الندم، أمر ملك الموت بأن يأخذه على هذا الحال لُينهي حياته نهاية سعيدة، فربما- كما في علم الله- أنه إذا ما استمرت حياته لعاد مرة أخرى لغيه وعصيانه.

ومن هذه الدروس كذلك معرفة مدى حب الله العظيم لعباده فكتابة العبارة على الباب ما هي إلا رسالة للناس جميعًا بأن رحمة الله واسعة.. تسع الجميع، فلا ينبغي لمذنب مهما كان جُرمه أن ييأس أو يقنط من بلوغها، والدليل أن الكفل قد غُفرَ له.. إنها رسالة تقول لكل فرد: أقبل ولا تخف، فربك ينتظرك.

وكيف لا يكون الأمر كذلك، والله عز وجل يحب عباده جميعًا، ويريد لهم الخير، ودخول الجنة، وينتظر من أي منهم التفاتة صادقة إليه ليقبل عليه، ويعفو عما مضى منه.

ومما يؤكد هذا المعنى ما حدث لقاتل المئة نفس:

قال صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على راهب، فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمَّل به مئَة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قَتل مئة نفس فهل له من توبة؟

فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أُناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يفعل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة»([1]).

وفي رواية: «فأوحي الله تعالى إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقرَّبي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له».

لا يحوجنا إلى المشي الكثير

نعم، أخي ، إن ربك ينتظر منك أي بادرة صادقة في العودة إليه، ليقترب منك ويقترب، ولا يحوجك إلى المشي الكثير، كما في الحديث القدسي: «.. ومن تقرب مني شبرًا، تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ...»([2]).



يعلق الإمام النووي على هذا الحديث فيقول:

أي من تقرب إلى بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وإن زاد عبدي زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود ([3]).

فهل توافقنى -أخى- أن هذا الحديث وغيره مما سبق ذكره يدل على شدة شوقه سبحانه لعودة عبادة إليه، وأنه أشد شوقا لهذه العودة من العبادة أنفسهم؟!

ولو كُشفت الحُجُب، وتأكد الشاردون عن الله من هذه الحقيقة لماتوا خجلا منه سبحانه.

بابه مفتوح للجميع:

أخي .. ما تعليقك على قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»([4])؟

ألا يكفيك دليلا على حب ربك لك أن جعل بابه مفتوحًا أمامك ليل نهار، وبدون وجود حاجب ولا واسطة، فمتى شئت، ومتى رغبت في الدخول عليه دخلت؟!

ألم يكن من الممكن أن يكون الدخول على الله ودعاؤه في وقت محدد بالليل أو بالنهار، وعلى من يريد أن يجاب طلبه أن يجتهد في تحري هذا الوقت كما يحدث مع كل صاحب سلطان.

ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يفعل ذلك، فلم يغلق بابه أبدًا في وجه أحد مهما كان جُرمه.

نعم، مهما كان جُرمه.

وليس ذلك للمسلمين فحسب بل لجميع عباده من يهود ونصاري وملحدين وبوذيين, ومن منافقين، وفاجرين، وقطاع طرق، ومجرمين.

أليس كل واحد من هؤلاء له مكان في الجنة يريد الله له أن يشغله، ولا يتركه؟!

فإن كنت تشك في هذه الحقيقة فتأمل معي توجيهه لرسوله الكريم: ]قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ[ [الأنفال: 38] هكذا بكل بساطة.



وتأمل خطابه للمنافقين، فبعد أن حذرهم وخوفهم من مآل أفعالهم عاد فلم ييئسهم من رحمته بل جعل الطريق أمامهم ممهدًا للتوبة والعودة إليه ]]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا` إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[ [النساء: 145، 146].

وبعد ذلك يأتي التأكيد على أن الله عز وجل لا يريد أن يعذب أحدًا من خلقه ]مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا[ [النساء: 147].
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2017, 07:43 PM   #15
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.dyar.ws/vb/t56212.html
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #15  
قديم 14-05-2017 , 07:43 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.dyar.ws/vb/t56212.html
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2017, 07:47 PM   #16
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

وقفة بين اختبار الدنيا واختبار الآخرة | د. عبدالله العسكر
https://www.youtube.com/watch?v=406WEb_6dxk
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #16  
قديم 14-05-2017 , 07:47 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

وقفة بين اختبار الدنيا واختبار الآخرة | د. عبدالله العسكر
https://www.youtube.com/watch?v=406WEb_6dxk
رد مع اقتباس
قديم 16-05-2017, 01:17 PM   #17
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.almurabbi.com/DisplayItem...ID=23&TempID=2
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #17  
قديم 16-05-2017 , 01:17 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://www.almurabbi.com/DisplayItem...ID=23&TempID=2
رد مع اقتباس
قديم 16-05-2017, 01:27 PM   #18
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

وقد قال بعض العلماء في معنى هذا: من خاف اللّه تعالى خافه كل شيء، ومن خاف غير اللّه تعالى أخاف اللّه تعالى من كل شيء،
فكذلك أيضاً: من أطاع اللّه تعالى سخّر له كل شيء ومن عصاه سخّره لكل شيء أو سلط عليه كل شيء
ولو لم يكن في الإصرار على المعصية من الشؤم إلا أن كلّ ما يصيب العبد يكون له عقوبة إن كان سعة عوقب
بذلك ولم يأمن بها الاستدراج وإن كان ضيقاً كان عقوبة
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #18  
قديم 16-05-2017 , 01:27 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

وقد قال بعض العلماء في معنى هذا: من خاف اللّه تعالى خافه كل شيء، ومن خاف غير اللّه تعالى أخاف اللّه تعالى من كل شيء،
فكذلك أيضاً: من أطاع اللّه تعالى سخّر له كل شيء ومن عصاه سخّره لكل شيء أو سلط عليه كل شيء
ولو لم يكن في الإصرار على المعصية من الشؤم إلا أن كلّ ما يصيب العبد يكون له عقوبة إن كان سعة عوقب
بذلك ولم يأمن بها الاستدراج وإن كان ضيقاً كان عقوبة
رد مع اقتباس
قديم 16-05-2017, 01:28 PM   #19
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://islamport.com/b/4/akhlaq/%DF%...%C8%20008.html
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #19  
قديم 16-05-2017 , 01:28 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

http://islamport.com/b/4/akhlaq/%DF%...%C8%20008.html
رد مع اقتباس
قديم 16-05-2017, 01:58 PM   #20
ابوبيان
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: معرفة العقوبات الشرعية التي رتبها الله عليها، فإن معرفة عقوبة الذنب، تستوجب من العاقل تركه ولا ريب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يعدد بعض عقوباتها مجملة في كتابه الجواب الكافي[33] ص 98 وما بعدها:
فمما ينبغي أن يعلم أنّ الذنوب والمعاصي تضرُّ ولابدّ، وأنَّ ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطردَه ولعنَه، ومسخَ ظاهره وباطنه، فجعلت صورتُه أقبح صورة وأشنعها، وباطنُه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظمَ عداوةٍ ومشاقّةٍ، وبزجلِ التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحشِ، وبلباسِ الإيمان لباسَ الكفر والفسوق والعصيان. فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه. فصار قوَّادًا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة، بعد تلك العبادة والسيادة. فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟.
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكةُ نبيحَ كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم؟. ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلما صارَ فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرها تدميرا؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة، حتى خمدوا عن آخرهم؟.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذريَّة والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال. ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علو تتبيرا؟.
وما الذي سلّطَ عليهم أنواعَ العقوبات، مرَّةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومَرَّةً بجور الملوك، ومَرَّةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى:" لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ"[34] إلخ.
ومما ذكر في كتابه هذا عقوبات الذنوب مفصلة فينبغي الرجوع إليها، والاستبصار فيها، فإن ذلك مما يعين على ترك المعصية والبعد عنها.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: التعبد لله بعبادة أمرنا الله سبحانه أن نتواصى بها، وأن يرغب بعضنا بعضا فيها، لأهميتها وعظيم نفعها، ولأن العبد لا يمكنه في سيره إلى الله أن يستغني عنها، ألا وهي الصبر والتصبر، وقد ألف الإمام ابن القيم رحمه الله - كما لا يخفى عليك إن شاء الله[35] -، كتابا حافلا حول هذه العبادة، وتكلم عليها بكلام ليس عليه زيادة، وهو كتاب:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، فعد إليه وتدبر فصوله وجمله وكلماته، فقد حوى من الخير الشيء الكثير، ومن الدرر ما بها القلب يستنير. ومما جاء من كلام عليه[36]، لهذا الإمام نفسه، في غير الكتاب الذي تقدمت الإشارة إليه، قال رحمه الله في مدارج السالكين[37] ج2 ص 163:
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل: بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها: صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الكتاب نفسه وهو ينقل كلام المتقدمين على الصبر وتعاريفهم له ج2 ص 165:
وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا. فقال: الصبر لله. فقال: لا. فقال: الصبر مع الله. فقال: لا. قال الشبلي: فإيش هو؟. قال: الصبر عن الله. فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف" إهـ.
قلت: وهذه والله هي الطامة الكبرى أن يصبر الإنسان على بعده عن ربه، وهو لا يمكنه أن يستغني طرفة عين عنه، فكيف يصبر العبد على من الخير كله بيديه، ومصالح العبد لا تتحقق إلا بمشيئته وإرادته، وتقديره وقضائه، وليس للعبد فوز إلا بالقرب منه والدنو من حضرته، ولا حياة ولا سعادة ولا فلاح ولا سرور ولا طمأنينة إلا بالتذلل له والاجتهاد في إرضائه.
- ومن أكبر ما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: تذكر المصير المحتم، والمفاجئ الأعظم، ومنغص الشهوات، وهادم اللذات، ألا وهو الموت الذي ينبغي الإكثار من ذكره، والاستعداد له قبل مجيئه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" رواه ابن ماجة وغيره وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
- روى ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين: عن علي بن الحسين قال: كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج، فاشترى جارية وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي، رفعت الجارية صوتها بالغناء، فطار لبه فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق، فأقبلت الجارية عليه فقالت: يا مولاي لقد أبليت شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي. فمال إلى قولها، واشتغل باللذات عما كان فيه من التعبد، فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن، والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وموتم الأولاد، فكأنه قد جاء على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان، ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه، فوافاه الكتاب وهو في مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته، وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام. قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث، فقلت ما فعل الله بك؟. قال: قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال:
الله عوضنــي ذو العرش جارية ... حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيــا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: قراءة قصص التائبين، والنظر في سير المنيبين، والتبصر فيما ذكر عنهم، والاستبصار في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، فإن الحكايات كما قال بعض السلف جند من جنود الله، يثبت بها من يشاء من عباده، وأنصحك بقراءة كتاب التوابين للإمام ابن قدامة رحمه الله على ما فيه، وها أنا أنتقي لك منه بعض قصصه، لعلها تحفزك على قراءته، والانتفاع به، وهي:
- روى الإمام ابن قدامة في كتاب التوابين ص 157[38]: عن جعفر الصائغ قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يوما إلى مجلس أحمد يسلم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردا تاما وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، كأنه على علو من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري. قال: فأردت أن أقوم فاستحيت من قبيح ما كنت عليه. قال لي: يا فلان لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟. قال قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحدا من أصحابي. قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
- وروى رحمه الله في الكتاب نفسه ص 124[39]: عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر. ثم إنني اشتريت جارية نفيسة؛ ووقعت منّي أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.
قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يَدَيَّ، جاءت إليَّ، وجاذبتني عليه، وهرقته من ثوبي.
فلما تمّ لها سنتان ماتت؛ فأكمدني حزنها.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثَمِلًا من الخمر؛ ولم أصل فيها عشاء الآخرة. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق، وأنا معهم. فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنِّينٍ، أعظم ما يكون، أسودَ أزرقَ، قد فتح فاه مسرعًا نحوي.
فمررت بين يديه هاربًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوب، طيّب الرائحة؛ فسلمت عليه فردَّ السلام، فقلت: أيّها الشيخ! أجرني من هذا التنِّين أجارك الله. فبكى الشّيخ وقال لي: أنا ضعيف، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مُرّ وأسرع، فلعل الله أن يُتِيح لك ما ينجيك منه.
فولَّيْتُ هاربًا على وجهي، فصعدتُ على شَرف من شُرَف القيامة، فأشرفت على طبقات النِّيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت.
ورجع التنِّين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ، سألتك أن تجيرني من هذا التنِّين فلم تفعل. فبكى الشيخ، وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.
قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضّة، وفيه كوًى مخرَّمة، وستور معلقة، على كُلِّ خوخة وكوَّة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبة بالدّر، على كل مصراع ستر من الحرير.
فلما نظرت إلى الجبل، ولَّيتُ إليه هاربًا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا السُّتور، وافتحوا المصاريع، وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوِّه، فإذا الستور قد رُفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرف عليَّ من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار. وقَرُبَ التنِّينُ مني فتحيَّرْتُ في أمري.
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كُلّكم فقد قربَ منه عدوُّه.
فأشرفوا فوجًا بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرَفَتْ عليَّ معهم.
فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثُمَّ وَثَبَتْ في كَفَّة من نور، كَرَمْيَةِ السَّهْمِ، حَتَى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. فمدّت يدها الشِّمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدها اليمنى إلى التنِّينِ فولَّى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبتِ :" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16. فبكيت، وقلت: يا بُنَيَّة، وأنتم تعرفون القرآن؟. فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنِّين الذي أراد أن يهلكني؟. قالت: ذلك عملك السوء، قوَّيتَه، فأراد أن يغرقك في نار جهنّم.
قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟. قالت: يا أبتِ! ذلك عملك الصَّالح، أضعفته، حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء.
قلت: يَا بُنَيَّة! وما تصنعون في هذا الجبل؟. قالت: نحن أطفال المسلمين، قد أُسكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم تقدمون علينا فنشفعَ لكم.
قال مالك: فانتبهتُ فزعًا، وأصبحتُ، فَأَرَقْتُ المسكر، وكَسَّرتُ الآنية، وتُبتُ إلى الله عَزَّ وَجلّ، وهذا كان سبب توبتي.
- وروى في الكتاب نفسه ص 126[40] بسنده: عن علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلًا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلًا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفُضيل، فأُرعِد، فقال: يا قوم أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدَنَّ أن لا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه. ورُوِيَ من طريق أُخْرَى: أنه أضافهم تلك الليلة؛ وقال: أنتم آمنون من الفضيل. وخرج يرتاد لهم علفا، ثمّ رجع فسمع قارئا يقرأ:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16.
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فُضَيلًا ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. وجعل يقول: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويردّد ويقول: وتبلوَ أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا.
وسمعته يقول: تزيّنتَ للناس وتصنّعتَ لهم، وتهيّأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوْا لك الحوائج، ووسَّعوا لك في المجلس، وعظَّموك خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك.
وسمعته يقول: إن قدرتَ أن لا تُعرف فافعل، وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثنَ عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
وأخيرا:
اعلم رحمني الله وإيّاك ما قصدت إلا نصيحتك ووصيتك، إن كانت هذه الأمور المذكورة عنك حقيقة فيك، ولو لا أن الناقل ثقة لما كتبت لك سوداء على بيضاء[41].
ثم اعلم رحمك الله أن هذه النصيحة كلها مبناها على ما تقدم نقله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها وهو:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فهو قال: إن كنت وإن كنت، ولم يقل قد فعلت وقد فعلت، وفرق بين التعبيرين، وفارق بين اللفظين، فاللفظ الأول يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه كلام فبذل النصيحة، والثاني ـ لو كان ـ يعني أنه قد تيقن من كلام بلغه بطرق صحيحة.
فأنا بنيت نصيحتي هذه على الوجه الأول لا ثاني، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[42].
ثم إني أسأل الله لي ولك السلامة والعافية، من كل مصيبة وبلية، وأن يجعلنا من أهل التقوى والورع، وأن يجنبنا أهل الغرور والخدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يفتح علينا أبواب مناجاته، ويرزقنا الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يحسن عاقبتنا، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا وسيئات أعمالنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وعباده المخلِصين المخلَصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه أنه من أراد أن يراسل أخا له بمحتوى هذه النصيحة فعليه أن يحذف كل التعليقات والحواشي الموجودة في الأصل إلا ما كان من تخريج حديث أو شرح كلمة مبهمة فإنه لا بأس بهما لمسيس الحاجة إليهما والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=12461
ابوبيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #20  
قديم 16-05-2017 , 01:58 PM
ابوبيان ابوبيان غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 2,642
افتراضي رد: !!!! عودي إلى الرحمن إلي كل اخت محافظه وإلي كل أخ ابتعد عن الله !!!!

- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: معرفة العقوبات الشرعية التي رتبها الله عليها، فإن معرفة عقوبة الذنب، تستوجب من العاقل تركه ولا ريب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يعدد بعض عقوباتها مجملة في كتابه الجواب الكافي[33] ص 98 وما بعدها:
فمما ينبغي أن يعلم أنّ الذنوب والمعاصي تضرُّ ولابدّ، وأنَّ ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطردَه ولعنَه، ومسخَ ظاهره وباطنه، فجعلت صورتُه أقبح صورة وأشنعها، وباطنُه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظمَ عداوةٍ ومشاقّةٍ، وبزجلِ التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحشِ، وبلباسِ الإيمان لباسَ الكفر والفسوق والعصيان. فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه. فصار قوَّادًا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة، بعد تلك العبادة والسيادة. فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟.
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟.
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحةَ حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟.
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكةُ نبيحَ كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم؟. ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!.
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحابَ العذاب كالظُّلل، فلما صارَ فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟.
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحُهم إلى جهنّم. فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟.
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرها تدميرا؟.
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة، حتى خمدوا عن آخرهم؟.
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذريَّة والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال. ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علو تتبيرا؟.
وما الذي سلّطَ عليهم أنواعَ العقوبات، مرَّةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومَرَّةً بجور الملوك، ومَرَّةً بمسخهم قردةً وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى:" لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ"[34] إلخ.
ومما ذكر في كتابه هذا عقوبات الذنوب مفصلة فينبغي الرجوع إليها، والاستبصار فيها، فإن ذلك مما يعين على ترك المعصية والبعد عنها.
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: التعبد لله بعبادة أمرنا الله سبحانه أن نتواصى بها، وأن يرغب بعضنا بعضا فيها، لأهميتها وعظيم نفعها، ولأن العبد لا يمكنه في سيره إلى الله أن يستغني عنها، ألا وهي الصبر والتصبر، وقد ألف الإمام ابن القيم رحمه الله - كما لا يخفى عليك إن شاء الله[35] -، كتابا حافلا حول هذه العبادة، وتكلم عليها بكلام ليس عليه زيادة، وهو كتاب:"عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، فعد إليه وتدبر فصوله وجمله وكلماته، فقد حوى من الخير الشيء الكثير، ومن الدرر ما بها القلب يستنير. ومما جاء من كلام عليه[36]، لهذا الإمام نفسه، في غير الكتاب الذي تقدمت الإشارة إليه، قال رحمه الله في مدارج السالكين[37] ج2 ص 163:
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل: بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها: صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الكتاب نفسه وهو ينقل كلام المتقدمين على الصبر وتعاريفهم له ج2 ص 165:
وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله. قال السائل: لا. فقال: الصبر لله. فقال: لا. فقال: الصبر مع الله. فقال: لا. قال الشبلي: فإيش هو؟. قال: الصبر عن الله. فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف" إهـ.
قلت: وهذه والله هي الطامة الكبرى أن يصبر الإنسان على بعده عن ربه، وهو لا يمكنه أن يستغني طرفة عين عنه، فكيف يصبر العبد على من الخير كله بيديه، ومصالح العبد لا تتحقق إلا بمشيئته وإرادته، وتقديره وقضائه، وليس للعبد فوز إلا بالقرب منه والدنو من حضرته، ولا حياة ولا سعادة ولا فلاح ولا سرور ولا طمأنينة إلا بالتذلل له والاجتهاد في إرضائه.
- ومن أكبر ما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: تذكر المصير المحتم، والمفاجئ الأعظم، ومنغص الشهوات، وهادم اللذات، ألا وهو الموت الذي ينبغي الإكثار من ذكره، والاستعداد له قبل مجيئه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" رواه ابن ماجة وغيره وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
- روى ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين: عن علي بن الحسين قال: كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد، فصلى حتى تورمت قدماه، وبكى حتى مرضت عيناه، فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج، فاشترى جارية وكانت تغني وهو لا يعلم، فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي، رفعت الجارية صوتها بالغناء، فطار لبه فرام ما كان عليه من العبادة فلم يطق، فأقبلت الجارية عليه فقالت: يا مولاي لقد أبليت شبابك، ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك، فلو تمتعت بي. فمال إلى قولها، واشتغل باللذات عما كان فيه من التعبد، فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه على العبادة، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم، من الناصح الشفيق، والطبيب الرفيق، إلى من سلب حلاوة الذكر، والتلذذ بالقرآن، والخشوع والأحزان، بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل، والقرآن بالقيان، فإني محذرك هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وموتم الأولاد، فكأنه قد جاء على غرة فأبكم منك اللسان، وهدم منك الأركان، وقرب منك الأكفان، واحتوشك الأهل والجيران، وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول ملك جبار، فاحذر يا أخي ما يحل بك من ملك غضبان، ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه، فوافاه الكتاب وهو في مجلس سروره، فغص بريقه، وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلس سروره، وكسر آنيته، وهجر جاريته، وآلى أن لا يطعم الطعام، ولا يتوسد المنام. قال الذي وعظه: فلما مات رأيته في المنام بعد ثلاث، فقلت ما فعل الله بك؟. قال: قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال:
الله عوضنــي ذو العرش جارية ... حوراء تسقيني طورا وتهنيني
تقول لي اشرب بما قد كنت تأملني ... وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيــا وأزعجه ... عن الخطايا وعيد في الطواسين
- ومما يعين على ترك المعاصي بأكملها وترك هذه المعصية بعينها: قراءة قصص التائبين، والنظر في سير المنيبين، والتبصر فيما ذكر عنهم، والاستبصار في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، فإن الحكايات كما قال بعض السلف جند من جنود الله، يثبت بها من يشاء من عباده، وأنصحك بقراءة كتاب التوابين للإمام ابن قدامة رحمه الله على ما فيه، وها أنا أنتقي لك منه بعض قصصه، لعلها تحفزك على قراءته، والانتفاع به، وهي:
- روى الإمام ابن قدامة في كتاب التوابين ص 157[38]: عن جعفر الصائغ قال: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يوما إلى مجلس أحمد يسلم عليه، فكأن أحمد لم يرد عليه ردا تاما وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأي شيء رأيت؟. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، كأنه على علو من الأرض، وناس كثير أسفل جلوس. قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه، فيقول: ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري. قال: فأردت أن أقوم فاستحيت من قبيح ما كنت عليه. قال لي: يا فلان لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟. قال قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك، فإنك لا تسب أحدا من أصحابي. قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع.
- وروى رحمه الله في الكتاب نفسه ص 124[39]: عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر. ثم إنني اشتريت جارية نفيسة؛ ووقعت منّي أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.
قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يَدَيَّ، جاءت إليَّ، وجاذبتني عليه، وهرقته من ثوبي.
فلما تمّ لها سنتان ماتت؛ فأكمدني حزنها.
فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثَمِلًا من الخمر؛ ولم أصل فيها عشاء الآخرة. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق، وأنا معهم. فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنِّينٍ، أعظم ما يكون، أسودَ أزرقَ، قد فتح فاه مسرعًا نحوي.
فمررت بين يديه هاربًا مرعوبًا، فمررت في طريقي بشيخٍ نقيِّ الثوب، طيّب الرائحة؛ فسلمت عليه فردَّ السلام، فقلت: أيّها الشيخ! أجرني من هذا التنِّين أجارك الله. فبكى الشّيخ وقال لي: أنا ضعيف، وهذا أقوى منِّي، وما أقدر عليه، ولكن مُرّ وأسرع، فلعل الله أن يُتِيح لك ما ينجيك منه.
فولَّيْتُ هاربًا على وجهي، فصعدتُ على شَرف من شُرَف القيامة، فأشرفت على طبقات النِّيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت.
ورجع التنِّين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ، سألتك أن تجيرني من هذا التنِّين فلم تفعل. فبكى الشيخ، وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.
قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضّة، وفيه كوًى مخرَّمة، وستور معلقة، على كُلِّ خوخة وكوَّة مصراعان من الذهب الأحمر، مفصَّلة باليواقيت، مكوكبة بالدّر، على كل مصراع ستر من الحرير.
فلما نظرت إلى الجبل، ولَّيتُ إليه هاربًا، والتنِّين من ورائي، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا السُّتور، وافتحوا المصاريع، وأشرفوا، فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوِّه، فإذا الستور قد رُفعت، والمصاريع قد فتحت، فأشرف عليَّ من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار. وقَرُبَ التنِّينُ مني فتحيَّرْتُ في أمري.
فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كُلّكم فقد قربَ منه عدوُّه.
فأشرفوا فوجًا بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرَفَتْ عليَّ معهم.
فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثُمَّ وَثَبَتْ في كَفَّة من نور، كَرَمْيَةِ السَّهْمِ، حَتَى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ. فمدّت يدها الشِّمال إلى يدي اليمنى، فتعلَّقْتُ بها، ومدَّت يدها اليمنى إلى التنِّينِ فولَّى هاربا.
ثم أجلستني وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبتِ :" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16. فبكيت، وقلت: يا بُنَيَّة، وأنتم تعرفون القرآن؟. فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنِّين الذي أراد أن يهلكني؟. قالت: ذلك عملك السوء، قوَّيتَه، فأراد أن يغرقك في نار جهنّم.
قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي؟. قالت: يا أبتِ! ذلك عملك الصَّالح، أضعفته، حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء.
قلت: يَا بُنَيَّة! وما تصنعون في هذا الجبل؟. قالت: نحن أطفال المسلمين، قد أُسكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة، ننتظركم تقدمون علينا فنشفعَ لكم.
قال مالك: فانتبهتُ فزعًا، وأصبحتُ، فَأَرَقْتُ المسكر، وكَسَّرتُ الآنية، وتُبتُ إلى الله عَزَّ وَجلّ، وهذا كان سبب توبتي.
- وروى في الكتاب نفسه ص 126[40] بسنده: عن علي بن خشرم قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلًا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلًا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفُضيل، فأُرعِد، فقال: يا قوم أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدَنَّ أن لا أعصي الله أبدًا، فرجع عما كان عليه. ورُوِيَ من طريق أُخْرَى: أنه أضافهم تلك الليلة؛ وقال: أنتم آمنون من الفضيل. وخرج يرتاد لهم علفا، ثمّ رجع فسمع قارئا يقرأ:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ" سورة الحديد من الآية 16.
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فُضَيلًا ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)" سورة محمد. وجعل يقول: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ، ويردّد ويقول: وتبلوَ أخبارنا، إن بلوتَ أخبارنا فضحتنا، وهتكتَ أستارنا، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذّبتنا.
وسمعته يقول: تزيّنتَ للناس وتصنّعتَ لهم، وتهيّأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوْا لك الحوائج، ووسَّعوا لك في المجلس، وعظَّموك خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك.
وسمعته يقول: إن قدرتَ أن لا تُعرف فافعل، وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثنَ عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
وأخيرا:
اعلم رحمني الله وإيّاك ما قصدت إلا نصيحتك ووصيتك، إن كانت هذه الأمور المذكورة عنك حقيقة فيك، ولو لا أن الناقل ثقة لما كتبت لك سوداء على بيضاء[41].
ثم اعلم رحمك الله أن هذه النصيحة كلها مبناها على ما تقدم نقله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها وهو:" أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فهو قال: إن كنت وإن كنت، ولم يقل قد فعلت وقد فعلت، وفرق بين التعبيرين، وفارق بين اللفظين، فاللفظ الأول يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه كلام فبذل النصيحة، والثاني ـ لو كان ـ يعني أنه قد تيقن من كلام بلغه بطرق صحيحة.
فأنا بنيت نصيحتي هذه على الوجه الأول لا ثاني، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[42].
ثم إني أسأل الله لي ولك السلامة والعافية، من كل مصيبة وبلية، وأن يجعلنا من أهل التقوى والورع، وأن يجنبنا أهل الغرور والخدع، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يفتح علينا أبواب مناجاته، ويرزقنا الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وأن يحسن عاقبتنا، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا وسيئات أعمالنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وعباده المخلِصين المخلَصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه أنه من أراد أن يراسل أخا له بمحتوى هذه النصيحة فعليه أن يحذف كل التعليقات والحواشي الموجودة في الأصل إلا ما كان من تخريج حديث أو شرح كلمة مبهمة فإنه لا بأس بهما لمسيس الحاجة إليهما والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=12461
رد مع اقتباس
إضافة رد


يشاهد الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 AM