إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 25-06-2014, 11:17 AM   #1
المنتظر
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 855
افتراضي التألي على الله يحبط العمل

عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أنَّ رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان ، وإن الله تعالى قال : من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان ؟ فإني قد غفرت لفلان ، وأحبطت عملك ...

 تخريج الحديث :
- رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب : النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى.
- وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والطبراني في المعجم الكبير ، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو يعلى الموصلي في مسنده .


 قال النووي رحمه الله :
- معنى ( يتألى ) يحلف ، والألْيَـة اليمين ... وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها ... واحتجت المعتزلة به في إحباط الأعمال بالمعاصي الكبائر ... ومذهب أهل السنة أنها لا تُحبط إلا بالكفر ، ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته ، وسمي إحباطا مجازا ، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر ، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا ، وكان هذا حكمهم ...

 وقال الألباني رحمه الله ، في السلسلة الصحيحة : وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر ، وترك صلاة العصر ، ونحوها...

 وقال: ابن الديبع الشيباني في كتابه " مكفرات الذنوب وموجبات الجنة " : يتألى= يقسم... أحبطت عملك = أبطلت ثوابه... وإنما غضب الله على هذا الرجل لأنه حجر واسعا من رحمة الله، ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وفي حديث آخر للطبراني : عن جندب أن رجلا آلَى ، أَنْ لا يَغْفِرَ اللَّهُ لِفُلانٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ إِلَى نَبِيٍّ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطِيئَةِ فَلْيَسْتَقْبِلِ الْعَمَلَ .// وفي رواية : قال رجل : لا يغفر الله لفلان ؛ فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء : إنها خطيئة فليستقبل العمل ... ‌/ صححه الألباني في تحقيقه للجامع الصغير.

 قال المناوي رحمه الله :قوله : ( قال رجل: لا يغفر الله لفلان ) أي : العامل للمعاصي ،( فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها) ، أي: الكلمة التي قالها (خطيئة ) ...(فليستقبل العمل) ، أي يستأنف عمله للطاعات فإنها قد أحبطت بتَـألِّيــه على الله ، وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير ، لا الحقيقة ...

وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ...فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ: أَقْصِرْ ... فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ ... فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ...فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ... قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.

 قال: ابن الديبع الشيباني : وهذا الحديث شرح للحديث الذي قبله، وفيه بيان العلة في غضب الله على من يجزم بأن الله لا يغفر لإنسان مذنب...//

قلت : والعلة ، قوله : : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وفي الحديث بعده ، رواية البيهقي: أكنت تحظر رحمتي على عبدي أم كنت بسعة مغفرتي ؟ وفي رواية ابن حبان : أكنت عالما ؟ أم كنت قادرا على ما في يدي ؟ أم تحظر رحمتي على عبدي ؟ وفي رواية أحمد : أكنت بي عالما ؟ أكنت على ما في يدي خازنا ؟ وفي رواية ابن المبارك : وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ قال : لا يا رب . قال : اذهبوا به إلى النار...

وهذا الحديث الذي رواه الترمذي ، أخرجه أيضا الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن حبان ، وابن المبارك ، والبيهقي ، ولفظه في الشعب = ... عن ضمضم بن جوس ، قال : دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أنا بشيخ مضفر رأسه أو قال : لحيته ، براق الثنايا ومعه رجل شاب أدعج ، فقال لي الشيخ : من أين أنت ؟ ، قلت : من أهل اليمامة ، فقال لي : يا يمامي ، لا تقولنَّ لأحد : لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا ... قال : قلت : إنها كلمة يقولها أحدُنا لولده أو لخادمه إذا غضب عليه ، فمن أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان فيمن كان قبلكم أخوان أحدهما يجتهد في العبادة ، والآخر مسرف ، وكان المجتهد في العبادة إذا أبصر المسرف على خطيئة استعظمها ، وقال : ويحك ، راقب الله ، ويحك أقصر ...فيقول له المسرف : خلني وربي ، أبعثت علي رقيبا ؟ قال : حتى رآه على خطيئة فاستعظمها ، فقال : ويحك ، إلى كم ؟ لا يغفر الله لك أبدا ... قال : فبعث إليهما ملكاً فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده ، فقال للمجتهد : أكنت تحظر رحمتي على عبدي ؟ أم كنت بسعة مغفرتي ؟ أم كنت...؟ اذهبوا بهذا إلى الجنة ، واذهبوا بهذا إلى النار - يعني المجتهد - » ، قال أبو هريرة : فلقد تكلم بكلمة أذهبت دنياه وآخرته ، أو كما قال...// صححه الألباني في تحقيقه لسن أبي داود وجامع السيوطي ، وحسنه في تخريج الطحاوية.

 مفردات :الدعج = شدة سواد العينين مع سعتهما ... ويْح =كلمةُ تَرَحُّم وتوَجُّع، تقالُ لمن وَقَع في هلكة لا يَسْتَحِقّها. وقد يقال بمعنى المدح والتعجُّب ... خلني = اتركني.

 قلت : وإذا نظرنا في تبويب مسلم رحمه الله لحديث جُندب ، بقوله: باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى ؛ وجدناه يشير إلى قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر : 53 ) ...

 قال ابن كثير: وهذا عام في جميع الذنوب، من كفر وشرك، وشك ونفاق، وقتل ، وفسق، وغير ذلك: كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه... وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) -النساء: 48- قال : هذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك.

 وقال : وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح ابن الله ، ومن زعم أن عزيرا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء: ( أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المائدة : 74 ) ، ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء، من قالأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات 24 ) وقال: ( َما عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) (القصص : 38 )... قال ابن عباس رضي الله عنهما: من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه...وروى الطبراني من طريق الشعبي، عن شتير بن شكل أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول:...وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الغرف: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) ... وقال الأعمش، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود قال: مر عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه- على قاص، وهو يذكر الناس، فقال : يا مذكر ، لِـمَ تقنطُ الناس؟ ثم قرأ : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) رواه ابن أبي حاتم.
[align=center]+ ذكر أحاديث فيها نفي القنوط + [/align]
- قال الإمام أحمد: ...عن أنس بن مالك قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده، لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون، ثم يستغفرون الله فيغفر لهم...تفرد به الإمام أحمد .
- وقال الإمام أحمد: ... عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كنت كتمت منكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أنكم تذنبون، لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم"...هكذا رواه الإمام أحمد، وأخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي جميعا، عن قتيبة، عن الليث بن سعد به . ورواه مسلم من وجه آخر به، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي صرمة -وهو الأنصاري صحابي-عن أبي أيوب به .
- وقال الإمام أحمد: ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة الذنب الندامة"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون، فيغفر لهم" / تفرد به أحمد .
- وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: ...عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد المفتن التواب". لم يخرجوه من هذا الوجه .
- وقال ابن أبي حاتم:...عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: إن إبليس - عليه لعائن الله- قال: يا رب، إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك... قال: فأنت مسلط... قال: يا رب، زدني... قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله... قال: يا رب، زدني. قال: أجعل صدورهم مساكن لكم، وتجرون منهم مجرى الدم... قال: يا رب، زدني. قال: أجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.... فقال آدم عليه السلام : يا رب، قد سلطته علي، وإني لا أمتنع منه إلا بك... قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء... قال: يا رب، زدني... قال: الحسنة عشر أو أزيد، والسيئة واحدة أو أمحوها... قال: يا رب، زدني... قال: باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد... قال: يا رب، زدني. قال: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) .
- وقال محمد بن إسحاق: قال نافع: عن عبد الله بن عمير، عن عمر، رضي الله عنه، في حديثه قال: وكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم... قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم... قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أنزل الله فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * ) (الزمر : 53 - 55 )...
وقال : ثم استحث سبحانه وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة، فقال: ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) أي: ارجعوا إلى الله واستسلموا له، ( مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) أي: بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة... ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ) وهو القرآن العظيم، ( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) أي: من حيث لا تعلمون ولا تشعرون....

قلت : لا للقنوط ... إن الله غفور ، غفار ، واسع المغفرة ، رحيم ، رحمن ، كتب على نفسه الرحمة، توّاب يقبل توبة التائبين ... فلنبادر جميعا إلى الإنابة إليه ، ولنسلم وجوهنا جميعا إليه ، ولنتمسك بالكتاب الذي نزّل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا فيما رواه عن ربنا عز وجل ، قال : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ... يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ... يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ... / رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك ؛ وصححه الألباني ./ ورواه أحمد والطبري في تهذيب الآثار قريبا منه ، عن أبي ذر .

 مفردات: العنان =السحاب وما وراءه ... المبالاة = الاهتمام والاحتفال بالأمر... قراب الأرض = ما يقارب ملأها ...

 قال: ابن الديبع الشيباني : وتلك المغفرة لأهل الدعاء والاستغفار والبراءة من الشرك الظاهر، والخفي.

قال البيهقي في الشعب : وقوله : ( دعوتني ) يريد - والله أعلم - : دعاءَه إياه وحده ، لا يدعو معه إلها آخر ... وقد أخرج مسلم حديث أبي ذر من وجه آخر / فيه : ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ...

قلت : وروى الدارمي حديث أبي ذر ، ولفظه : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَانِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئاً ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِى أَغْفِرْ لَكَ وَلاَ أُبَالِى... وأخرج ابن حبان طرفا منه ، وهو قوله يا ابن آدم لو لقيتني بمثل الأرض خطايا لا تشرك بي شيئا ، لقيتك بملء الأرض مغفرة ) ..

 وجاء في حديث قدسي آخر عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال ... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ...// رواه مسلم ، والبيهقي ،والطبراني ، وابن حبان ...

* فلا ... لا ... للقنوط ، ( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ) (الحجر : 56 ) ...وحي على التوبة، ( إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) (الحجرات : 12 ) ، ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى : 25 )104 ) ... حي على الإستغفار...( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ) (نوح : 10 )استغفروه ، إنه يقول : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الحجر : 49 ) ... استغفروه ، إنه لايغفر الذوب إلا هو ( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ )؟ (آل عمران : 135 )، استغفروه ، إنه( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدّثر : 56 )... ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) (البروج : 14 ) ...

- لا ...وألف لا... للقنوط ، الذي هو أشَدّ اليأس من الشيء ...بل الحذر الحذر منه ، إنه من الكبائر :
* روى البزار ، والطبراني = ... عن عبد الله بن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال : الشرك بالله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله .../ قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله موثوقون/ وقال الألباني في صحيح الجامع : حسن .
* وفي شعب الإيمان للبيهقي : ... عن ابن مسعود ، أنه قال : الكبائر الإشراك بالله عز وجل ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ... / قال الهيثمي: إسناده صحيح.
* وروى البخاري في الأدب المفرد ، والبزار ، والطبراني = ...عن فضالة بن عبيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يسأل عنهم :رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وأزاره العز ، ورجل كان في شك من أمر الله ، والقنوط من رحمة الله.... / قال الهيثمي رجاله ثقات/ وصححه الألباني.

*** لا لقطع الرجاء والأمل من الله ، فإنه لا يقطع الرجاء إلا من كفر ، كما قال تعالى : (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) (يوسف : 87 )... لا لليأس من رحمة الله ، إنه تعالى قال: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (النساء : 110 ) ، وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) (طه : 82 ) ...

*** وعن قتادة رضي الله عنه : إن الله ذمّ قوماً هانوا عليه فقال : ( أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى ) (العنكبوت : 23 ) وقال : (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف : 87 ) ، فينبغي للمؤمن أن لا ييأس من روح الله ولا من رحمته ، وأن لا يأمن عذابه وعقابه ...صفة المؤمن أن يكون
المنتظر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #1  
قديم 25-06-2014 , 11:17 AM
المنتظر المنتظر غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 855
افتراضي التألي على الله يحبط العمل

عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أنَّ رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان ، وإن الله تعالى قال : من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان ؟ فإني قد غفرت لفلان ، وأحبطت عملك ...

 تخريج الحديث :
- رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب : النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى.
- وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والطبراني في المعجم الكبير ، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو يعلى الموصلي في مسنده .


 قال النووي رحمه الله :
- معنى ( يتألى ) يحلف ، والألْيَـة اليمين ... وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها ... واحتجت المعتزلة به في إحباط الأعمال بالمعاصي الكبائر ... ومذهب أهل السنة أنها لا تُحبط إلا بالكفر ، ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته ، وسمي إحباطا مجازا ، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر ، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا ، وكان هذا حكمهم ...

 وقال الألباني رحمه الله ، في السلسلة الصحيحة : وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر ، وترك صلاة العصر ، ونحوها...

 وقال: ابن الديبع الشيباني في كتابه " مكفرات الذنوب وموجبات الجنة " : يتألى= يقسم... أحبطت عملك = أبطلت ثوابه... وإنما غضب الله على هذا الرجل لأنه حجر واسعا من رحمة الله، ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وفي حديث آخر للطبراني : عن جندب أن رجلا آلَى ، أَنْ لا يَغْفِرَ اللَّهُ لِفُلانٍ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ إِلَى نَبِيٍّ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطِيئَةِ فَلْيَسْتَقْبِلِ الْعَمَلَ .// وفي رواية : قال رجل : لا يغفر الله لفلان ؛ فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء : إنها خطيئة فليستقبل العمل ... ‌/ صححه الألباني في تحقيقه للجامع الصغير.

 قال المناوي رحمه الله :قوله : ( قال رجل: لا يغفر الله لفلان ) أي : العامل للمعاصي ،( فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها) ، أي: الكلمة التي قالها (خطيئة ) ...(فليستقبل العمل) ، أي يستأنف عمله للطاعات فإنها قد أحبطت بتَـألِّيــه على الله ، وهذا خرج مخرج الزجر والتنفير ، لا الحقيقة ...

وروى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ...فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ: أَقْصِرْ ... فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ ... فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ...فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ... قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.

 قال: ابن الديبع الشيباني : وهذا الحديث شرح للحديث الذي قبله، وفيه بيان العلة في غضب الله على من يجزم بأن الله لا يغفر لإنسان مذنب...//

قلت : والعلة ، قوله : : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وفي الحديث بعده ، رواية البيهقي: أكنت تحظر رحمتي على عبدي أم كنت بسعة مغفرتي ؟ وفي رواية ابن حبان : أكنت عالما ؟ أم كنت قادرا على ما في يدي ؟ أم تحظر رحمتي على عبدي ؟ وفي رواية أحمد : أكنت بي عالما ؟ أكنت على ما في يدي خازنا ؟ وفي رواية ابن المبارك : وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ قال : لا يا رب . قال : اذهبوا به إلى النار...

وهذا الحديث الذي رواه الترمذي ، أخرجه أيضا الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن حبان ، وابن المبارك ، والبيهقي ، ولفظه في الشعب = ... عن ضمضم بن جوس ، قال : دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أنا بشيخ مضفر رأسه أو قال : لحيته ، براق الثنايا ومعه رجل شاب أدعج ، فقال لي الشيخ : من أين أنت ؟ ، قلت : من أهل اليمامة ، فقال لي : يا يمامي ، لا تقولنَّ لأحد : لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا ... قال : قلت : إنها كلمة يقولها أحدُنا لولده أو لخادمه إذا غضب عليه ، فمن أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان فيمن كان قبلكم أخوان أحدهما يجتهد في العبادة ، والآخر مسرف ، وكان المجتهد في العبادة إذا أبصر المسرف على خطيئة استعظمها ، وقال : ويحك ، راقب الله ، ويحك أقصر ...فيقول له المسرف : خلني وربي ، أبعثت علي رقيبا ؟ قال : حتى رآه على خطيئة فاستعظمها ، فقال : ويحك ، إلى كم ؟ لا يغفر الله لك أبدا ... قال : فبعث إليهما ملكاً فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده ، فقال للمجتهد : أكنت تحظر رحمتي على عبدي ؟ أم كنت بسعة مغفرتي ؟ أم كنت...؟ اذهبوا بهذا إلى الجنة ، واذهبوا بهذا إلى النار - يعني المجتهد - » ، قال أبو هريرة : فلقد تكلم بكلمة أذهبت دنياه وآخرته ، أو كما قال...// صححه الألباني في تحقيقه لسن أبي داود وجامع السيوطي ، وحسنه في تخريج الطحاوية.

 مفردات :الدعج = شدة سواد العينين مع سعتهما ... ويْح =كلمةُ تَرَحُّم وتوَجُّع، تقالُ لمن وَقَع في هلكة لا يَسْتَحِقّها. وقد يقال بمعنى المدح والتعجُّب ... خلني = اتركني.

 قلت : وإذا نظرنا في تبويب مسلم رحمه الله لحديث جُندب ، بقوله: باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى ؛ وجدناه يشير إلى قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر : 53 ) ...

 قال ابن كثير: وهذا عام في جميع الذنوب، من كفر وشرك، وشك ونفاق، وقتل ، وفسق، وغير ذلك: كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه... وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) -النساء: 48- قال : هذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك.

 وقال : وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح ابن الله ، ومن زعم أن عزيرا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء: ( أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المائدة : 74 ) ، ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء، من قالأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات 24 ) وقال: ( َما عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) (القصص : 38 )... قال ابن عباس رضي الله عنهما: من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه...وروى الطبراني من طريق الشعبي، عن شتير بن شكل أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول:...وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الغرف: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) ... وقال الأعمش، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود قال: مر عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه- على قاص، وهو يذكر الناس، فقال : يا مذكر ، لِـمَ تقنطُ الناس؟ ثم قرأ : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) رواه ابن أبي حاتم.
[align=center]+ ذكر أحاديث فيها نفي القنوط + [/align]
- قال الإمام أحمد: ...عن أنس بن مالك قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده، لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون، ثم يستغفرون الله فيغفر لهم...تفرد به الإمام أحمد .
- وقال الإمام أحمد: ... عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كنت كتمت منكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أنكم تذنبون، لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم"...هكذا رواه الإمام أحمد، وأخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي جميعا، عن قتيبة، عن الليث بن سعد به . ورواه مسلم من وجه آخر به، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي صرمة -وهو الأنصاري صحابي-عن أبي أيوب به .
- وقال الإمام أحمد: ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة الذنب الندامة"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون، فيغفر لهم" / تفرد به أحمد .
- وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: ...عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد المفتن التواب". لم يخرجوه من هذا الوجه .
- وقال ابن أبي حاتم:...عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: إن إبليس - عليه لعائن الله- قال: يا رب، إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك... قال: فأنت مسلط... قال: يا رب، زدني... قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله... قال: يا رب، زدني. قال: أجعل صدورهم مساكن لكم، وتجرون منهم مجرى الدم... قال: يا رب، زدني. قال: أجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.... فقال آدم عليه السلام : يا رب، قد سلطته علي، وإني لا أمتنع منه إلا بك... قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء... قال: يا رب، زدني... قال: الحسنة عشر أو أزيد، والسيئة واحدة أو أمحوها... قال: يا رب، زدني... قال: باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد... قال: يا رب، زدني. قال: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) .
- وقال محمد بن إسحاق: قال نافع: عن عبد الله بن عمير، عن عمر، رضي الله عنه، في حديثه قال: وكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم... قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم... قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أنزل الله فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * ) (الزمر : 53 - 55 )...
وقال : ثم استحث سبحانه وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة، فقال: ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) أي: ارجعوا إلى الله واستسلموا له، ( مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) أي: بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة... ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ) وهو القرآن العظيم، ( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) أي: من حيث لا تعلمون ولا تشعرون....

قلت : لا للقنوط ... إن الله غفور ، غفار ، واسع المغفرة ، رحيم ، رحمن ، كتب على نفسه الرحمة، توّاب يقبل توبة التائبين ... فلنبادر جميعا إلى الإنابة إليه ، ولنسلم وجوهنا جميعا إليه ، ولنتمسك بالكتاب الذي نزّل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا فيما رواه عن ربنا عز وجل ، قال : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ... يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ... يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ... / رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك ؛ وصححه الألباني ./ ورواه أحمد والطبري في تهذيب الآثار قريبا منه ، عن أبي ذر .

 مفردات: العنان =السحاب وما وراءه ... المبالاة = الاهتمام والاحتفال بالأمر... قراب الأرض = ما يقارب ملأها ...

 قال: ابن الديبع الشيباني : وتلك المغفرة لأهل الدعاء والاستغفار والبراءة من الشرك الظاهر، والخفي.

قال البيهقي في الشعب : وقوله : ( دعوتني ) يريد - والله أعلم - : دعاءَه إياه وحده ، لا يدعو معه إلها آخر ... وقد أخرج مسلم حديث أبي ذر من وجه آخر / فيه : ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ...

قلت : وروى الدارمي حديث أبي ذر ، ولفظه : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَانِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئاً ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِى أَغْفِرْ لَكَ وَلاَ أُبَالِى... وأخرج ابن حبان طرفا منه ، وهو قوله يا ابن آدم لو لقيتني بمثل الأرض خطايا لا تشرك بي شيئا ، لقيتك بملء الأرض مغفرة ) ..

 وجاء في حديث قدسي آخر عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال ... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ...// رواه مسلم ، والبيهقي ،والطبراني ، وابن حبان ...

* فلا ... لا ... للقنوط ، ( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ) (الحجر : 56 ) ...وحي على التوبة، ( إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) (الحجرات : 12 ) ، ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى : 25 )104 ) ... حي على الإستغفار...( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ) (نوح : 10 )استغفروه ، إنه يقول : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الحجر : 49 ) ... استغفروه ، إنه لايغفر الذوب إلا هو ( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ )؟ (آل عمران : 135 )، استغفروه ، إنه( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدّثر : 56 )... ( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) (البروج : 14 ) ...

- لا ...وألف لا... للقنوط ، الذي هو أشَدّ اليأس من الشيء ...بل الحذر الحذر منه ، إنه من الكبائر :
* روى البزار ، والطبراني = ... عن عبد الله بن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال : الشرك بالله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله .../ قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله موثوقون/ وقال الألباني في صحيح الجامع : حسن .
* وفي شعب الإيمان للبيهقي : ... عن ابن مسعود ، أنه قال : الكبائر الإشراك بالله عز وجل ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ... / قال الهيثمي: إسناده صحيح.
* وروى البخاري في الأدب المفرد ، والبزار ، والطبراني = ...عن فضالة بن عبيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يسأل عنهم :رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وأزاره العز ، ورجل كان في شك من أمر الله ، والقنوط من رحمة الله.... / قال الهيثمي رجاله ثقات/ وصححه الألباني.

*** لا لقطع الرجاء والأمل من الله ، فإنه لا يقطع الرجاء إلا من كفر ، كما قال تعالى : (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) (يوسف : 87 )... لا لليأس من رحمة الله ، إنه تعالى قال: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (النساء : 110 ) ، وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) (طه : 82 ) ...

*** وعن قتادة رضي الله عنه : إن الله ذمّ قوماً هانوا عليه فقال : ( أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى ) (العنكبوت : 23 ) وقال : (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف : 87 ) ، فينبغي للمؤمن أن لا ييأس من روح الله ولا من رحمته ، وأن لا يأمن عذابه وعقابه ...صفة المؤمن أن يكون
رد مع اقتباس
قديم 10-07-2014, 06:14 PM   #2
صانع المعروف
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 103
افتراضي رد: التألي على الله يحبط العمل

جزاك الله خير
صانع المعروف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-07-2014 , 06:14 PM
صانع المعروف صانع المعروف غير متواجد حالياً
عضو مميز
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 103
افتراضي رد: التألي على الله يحبط العمل

جزاك الله خير
رد مع اقتباس
إضافة رد


يشاهد الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
الانتقال السريع


الساعة الآن 08:03 PM